وقد حكى الإمام عن رواية شيخه: أن من أصحابنا من لم يوجب الاعتكاف في بقية النهار؛ تخريجاً من أن النهار إذا نذر اعتكافه لا يجوز تبعيضه بتفريق الساعات، وهو قد ذكر اليوم، واعتكاف يوم بعد قدومه غير ممكن إلا على نعت التقطع.
ثم اعلم أن ظاهر كلام الشيخ يقتضي أنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون إفطاره لعدم نية صدرت منه من الليل، وهو ممسك، أو لمباشرة ما يفطر به الصائم؛ لأنه مفطر في الصورتين شرعاً، وقد صرح القاضي أبو الطيب بذلك في حالة الإمساك، ومنه يظهر لك: أن مراد الشيخ بالمسألة الأولى ما ذكرناه، وإلا لكانت المسألتان واحدة.
فإن قلت: هذا ظاهر فيما إذا كان قد باشر ما يفطر به الصائم على أن فيه شيئاً على بعد.
أما إذا كان ممسكاً ولم ينو من الليل، فلم لا يُخَرَّج على الخلاف المشهور في أن النذر المطلق يحمل على أقل واجب في الشرع أو جائزه؟
فإن قلنا: يحمل على واجبه- كما اختاره العراقيون والروياني وغيرهم- فالأمر كذلك، وإن قلنا: على جائزه- كما هو الصحيح عند الإمام والغزالي- فينبني على أنه إذا قدم في أثناء النهار: هل يلزمه الصوم من أول النهار أو من حين القدوم؟ فإن قلنا بالأول، انبنى أيضاً على أن النية تنعطف على ما مضى في صوم التطوع أو لا تنعطف؟ فإن قلنا بالثاني، فالأمر كذلك، وإن قلنا بالانعطاف على ما مضى أو بعدمه؟ وقلنا: إن الوجوب يكون من حين القدوم؛ فينبغي أن ينوي صومه، ويجزئه، ولا يسمح له في تأخير ذلك؛ لتعين الوقت.
قلت: قد أطلق الغزالي القول بأن الصوم المنذور هل يصح بنية من النهار؟ إن قلنا: مطلق النذر يحمل على الواجب الشرعي، لم يجزئه، وإلا أجزأه، وصحح الإجزاء.
وقال الرافعي: إن هذا إذا نذر مطلق الصوم، أما إذا نذر صوم يوم أو أيام، فإن قلنا: إنه يسلك به مسلك جائز الشرع، انبنى على أصل آخر، وهو أن النية تنعطف على أول النهار كما هو الظاهر أو لا؟ فإن قلنا بالأول، أجزأه، وإلا فلا، وعزا هذا إلى الإمام.