الإمام: من أن الصبي ليس من أهل القبض فيما لا يكون من أهل العقد فيه فإن القبض فيه من الخطر ما يزيد على العقد. والقبض إن كان مملكاً في عقد- كالقبض في الهبة- فهذا الصبي لا يصلح له كما لا تصلح عبارته للفظ الذي يملك به.
وقد أطال بعض المتأخرين في بيان مراد الغزالي من قوله:"سبب ملك أو ضمان"، ولم يُظْهر له معنىً معتبراً. ومراده- رضي الله عنه- أن الصبي لا يعتد بقبضه المبيع؛ [لأن القبض] فيه سبب ملك، أي: في العوض الثابت في الذمة إذا عين؛ أو ضمان، أي: في نقل المبيع المعين من ضمان البائع إلى ضمان المشتري، والصبي ليس أهلاً للتملك بهذا الوجه، وإن كان أهلاً لتملك المباحات؛ لأنه ليس فيها نقل ملك عن الغير بل افتتاح ملك، وهو محض مصلحة لا ضرر عليه فيه ولا هو أهل للضمان، [فهذا هو الوجه] وإن كان أهلاً للضمان بالإتلاف للخبر الثابت، ويدل على ذلك تتمة كلامه فإنه قال: لو قال: أد إلى الصبي فأدى لم يبرأ لأن ما في الذمة لا يتعين ملكاً إلا بقبض صحيح بيَّنهما على مأخذ المنع، فيما إذا كان المبيع في الذمة.
واحترز- رضي الله عنه- بقوله:"لأن ما في الذمة لا يتعين ملكاً" عما يتعين حقّاً لا ملكاً، وهو ما إذا التقط طعاماً وجوزنا له أكله وعزل القيمة، فإن مالك الطعام أحق بالقيمة، وإن لم يملكها بذلك وعلى ذلك إشكال يأتي في موضعه، إن شاء الله تعالى.
فرع: يجوز لمن له القبض التوكيل فيه، ويشترط في الوكيل ألا تكون يده يد المقبوض منه كعبده غير المأذون، ومستولدته، ومدبره. ويجوز توكيل مكاتبه.
وفي توكيل عبده المأذون وجهان:
أصحهما: أنه لا يجوز.
ووجه الجواز محمول على ما إذا ركبته الديون، أما إذا لم يكن عليه دين، فلا يجوز وجهاً واحداً- كما سنذكر نظيره في كتاب الرهن عن الشيخ أبي علي.
[الأمر] الثاني: المحل الذي يستحق الإقباض فيه: إذا كان المبيع منقولاً، فإن كان حاضراً [لدى العقد] استحق تسليمه في موضع العقد.
وإن كان غائباً فقد حكى الماوردي: أنه لابد من ذكر البلد الذي هو فيه، ولا يشترط ذكر البقعة من البلد.