للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه يُدخر كذلك، ويفسده إذا كان دقيقاً، والطحن يحدث بينهما تفاوتاً في الكيل، بحيث يعلم التفاضل بينهما، وذلك ممنوعٌ بالنصِّ؛ فيتعين القول بعدم الصحة، وهذه العلة تعلل جملة المسائل الآتية من هذا النوع وما يقرب منه؛ فيستغني عن إعادتها.

وحكى أبو الطيب بن سلمة وابن الوكيل عن رواية الكرابيسي عن الشافعي قولاً: "أنه يجوز بيع الحنطة بدقيقها كيلاً بكيل"، وجعل الإمام منقول الكرابيسي: أن الدقيق مع الحنطة جنسان، حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً.

قال الرافعيُّ: "ويشبه أن يكون منفرداً بهذه الرواية".

قلت: قد وافقه عليها الماوردي، وحكى أنه مذهب أبي ثور؛ فلا انفراد.

وحكى الإمام أيضاً عن رواية ابن مقلاص أن الشافعيَّ جعل السويق مخالفاً لجنس الحنطة؛ لأنه يخالفها في المعنى، والدقيق مجانس للحنطة؛ فإنه حنطة متفرقة الأجزاء، والحنطة دقيق مكسَّر.

قال الإمام: وعلى هذا الخبر يخالف الحنطة، ويجب أن يخالف السويق الدقيق، والمذهب المشهور الذي نصَّ عليه في عامة كتبه: الأول.

ونفى بعضهم أن يكون ما ُحكي عن الكرابيسي منقولاً عن الشافعيّ؛ فنه لم يقل سوى: "قال أبو عبد الله، وأبو عبد الله يحتمل مالكاً، ويحتمل أحمدَ؛ فإنهما مخالفان في ذلك.

وعلى هذا فلا يجوز بيع الحنطة بشيء مما يُتخذ منها كالسويق، والخبز، والنّشا، ولا بما فيه شيءٌ مما يتخذ منها كالمصل؛ ففيه الدقيق والفالوذج وفيه النشا.

واعلم أن السويق الذي أطلقه العلماء هاهنا يكون على ضربين- كما حكاه القاضي أبو الطيب -:

أحدهما: نقيع، وهو أن يُبل بالماء، ثم يُنشر حتى يجفَّ، ثم يقلى ويجرش.

والثاني: مطبوخ، وهو أن يطبخ ثم يجفف، ثم يُقلى ويجرش.

وذلك غير ما نفهمه في بلادنا منه، وإذا كان كذلك فالمنع فيه يتأكد بدخول النار فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>