أحدها: أنه يبرأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"؛ [لأنّ خيار العيب] إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة، فإذا صرح بالبراءة فقد ارتفع الإطلاق، فعلى هذا: لو حدث به عيبٌ قبل القبض لم يبرأ منه، وكان له الرد، فلو اختلف في تقدمه على العقد وتأخره عنه، وحدوثه قبلا لقبض، فهل القول قول البائع أو [قول] المشتري؟ فيه وجهان [في "الحاوي".
قال: والثاني: لا يبرأ؛ لأنه خيار ثابت بالشرع، فلا ينتفي بالشرط] كسائر مقتضيات العقد، [و] لأنه إبراء عن مجهول لا يدري، وذلك غَرَر، ولأن الرد بالعيب مستحقٌّ بعد لزوم العقد؛ فلم يجز إسقاطه بالشرط قبل لزوم العقد كما في الشفعة.
قال:"ويبطل البيع على هذا، وقيل: لا يبطل"، يوجههما ما تقدم في نفي خيار المجلس، والأظهر منهما عدم البطلان؛ لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة، وعدم إنكارهم، والذي عليه جمهور الأصحاب- كما حكاه الماوردي -: البطلان.
قال:"والثالث: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان لم يعلم به البائع"؛ لأن الحيوان يتغذى بالصحة والسقم، وتتحول طبائعه، وقلَّما يبرأ من عيب خفيِّ؛ يحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع.
قال:"ولا يبرأ مما سواه" – أي: مما يعلمه – أو هو ظاهر في الحيوان ولم يعلمه، وما لا يعلمه من غيره؛ لما روي أن ابن عمر باع عبداً من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة، فأصاب زيد به عيباً، فأراد ردّه على ابن عمر، فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان، فقال لابن عمر: تحلف إنك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال:"لا"، فرده عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم، ولأن كتمان العيب تلبيس، وهذا هو الأصح في هذا الطريق الذي قاله ابن سريج وابن الوكيل، والإصطخري، وابن خيران وأبو سحاق جزماً به. ولنصه في "المختصر"، وفي " [اختلاف] العراقيين" به إشعار.