فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَسْلَفَ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" فاعتبر هذين الأمرين لا غير، فلم اعتبرتم العدد والذرع؟ ومقتضى الحديث أيضاً أنه لا يجوز يما لا يكال، ولا يوزن، لكن قام الإجماع على جواه فيما عداها.
وأما الحديث فجوابه: أنه ورد على سبب خاص، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يسلمون في التمر السنتين والثلاث، فقال: "من أسلم ...) إلى آخره، فيكون تقدير ذلك من أسلم في مكيل فليكن المكيل معلوماً، ومن أسلم في موزون فليكن الوزن معلوماً، ومن أسلم في مؤجل فليكن الأجر معلوماً، وبهذا – أيضاً – يحتج على من استدل بهذا الحديث على اشتراط التأجيل في السلم.
قال:[وإن كان] مما يختلف كالبيض، والجوز، واللوز، والقثاء –أي: وهو ممدود بكسر القاف وضمها – والبطيخ لم يجز السلم فيه إلا وزناً لأن الكيل لا يحصره.
وقيل: يجوز في الجوز واللوز كيلاً لعدم تجافيه في المكيال، وهذا ما جزم به ابن الصباغ، ولابد في كل من الكيل والذراع أن يكون معلوماً، لمن ذكرنا اشتراط معرفته بالوصف من قبل، وسيأتي الكلام على اشتراط المكيال المعين، ويذكر ثم الذراع المعين.
قال: وإن أسلم فيمؤجل لم يجز إلاإلى أجل معلوم.
للحديث السابق والمعنى فيه أن الأجل يقابله قسط من الثمن، فإذا كان مجهولاً جر جهالة إلى الثمن، فلو ذكرا أجلاً مجهولاً فالعقد باطل، وكذا لو حذفاه في المجلس على الأصح، وفيه وجه عن رواية صاحب التقريب، تقدمت حكايته أنه يصح ويصير حالاً، وكذا لو ذكرا أجلاً صحيحاً ثم حذفاه في المجلس صار حالاً، وفي هذا شيء ذكرته عن القاضي الحسين، في أول باب المرابحة، ثم السلم الحال جائز عندنا، كما يؤخذ من لفظ الشيخ هنا، ومن بعد اللهم إلا أن يكون المسلم فيه لا يوجد في الحال، ويوجد في ثاني الحال فلا يصح السلم فيه إلا مؤجلاً لذلك الوقت كما سيأتي.