العقد في التسليم، وما قاله من أنه كرهن المرهون تفريع منه على أن رهن المرهون من الراهن لا يجوز، ويجيء هاهنا طريقة قاطعة بأنه يجوز كما حكاها في الاستقصاء، فيما إذا رهن العبد الجاني من المجني [عليه]؛ لأن رهنه بالجناية ليس رهناً حقيقة [كذلك جنس المبيع على الثمن ليس رهناً حقيقة].
الثانية: أن يرهنه من غير البائع، فالصحيح عند عامة الأصحاب على ما حكاه الرافعي، وبه جزم ابن الصباغ والبندنيجي في أوائل باب بيع الطعام، المنع لضعف الملك كما أن المكاتب لا يصح بيعه، ولا يصح رهنه، وفيه وجه أنها يصح إذا لم يكن للبائع حق الحبس؛ نظراً إلى أن المانع من صحة البيع توالي الضمانين، [وهذا ما رجحه الغزالي].
وكلام البندنيجي في كتاب الرهن يوهم الجزم به فإنه قال: وإن اشترى شيئاً فرهنه قبل القبض – نظرت: فإن كان قبل تسليم الثمن إلى البائع لم يصح.
[وقال] وإن كان بعد أن أسلم ثمنه إلى البائع فقد نص في [باب الرهن] على جواز ذلك؛ لأنه قد استحق قبضه على وجه لا يملك منعه منه كالميراث سواء، وجعله صاحب الاستقصاء المذهب، وجزم به القاضي الحسين، في التعليق وادعى نفي الخلاف فيه، وقد ذكرناه عنه من قبل.
إذا عرفت ذلك كان لك أن تحمل كلام الشيخ على العموم من غير فرق بين أن يرهنه من البائع، أو من غيره، والله أعلم.
فرع: إذا صححنا الرهن من البائع وأذن له في القبض ففعل لزم، ولا يزول ضمان البيع، بل إذا تلف ينفسخ العقد، وليس لنا رهن إذا تلف في يد المرتهن يكون من ضمانه من غير تعدَّ إلا هذا، وحكم قبض غير البائع إذا جوزنا الرهن منه، قد تقدم في أول كتاب البيع.
قال: وإن رهنه بثمنه لم يجز أي: إذا كان للبائع حق الحبس؛ لأنه محبوس به، فلا يجوز كرهن المرهون.
ولقائل أن يقول: ينبغي أن يصح ويتقوى أحد الجنسين بالآخر، ويعضده ما سيأتي