للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: وقيل: يمنع من سفر الجهاد – أي: إلا أن يقوم بالدين أو يَكْتَفِل به – لأن ذلك مظنة الهلاك؛ فإن المجاهد قد يطمع في الجنة فيحرص على طلب الشهادة، وذلك مضيع للدين. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في معركة القتال يوماً: "مَنْ وَضَعَ سَيْفَهُ فِي هَؤُلاَءِ مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ الجَنَّةُ، فَقَالَ بَعْضُ الأَنْصَارِ – وَكَانَ بِيَدِهِ تَمَرَاتٌ يَاكُلُهَا -: ليس بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ورمى بالتمرات واخترط سيفه وكسر غمده في العدو، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ دَيْنٌ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَادَ وَانْغَمَسَ حَتَّى قُتِلَ"، وهذا ما نسب إلى الإصطخري، وحكى الرافعي في السير أن الروياني صححه، وقد حكى القاضي ها الوجه في غير سفر الجهاد، في أي سفر كان في كتاب السير، ووجهه بأنه ربما حل الحق؛ فلا يمكنه المطالبة به.

وقيل في سفر الجهاد: إن خلف وفاءً بالدين فلا منع منه، وألا منع.

وقيل: إن كان من المرتزقة لم يمنع، وإلا منع، وفي كتاب القاضي ابن كجٍّ: أن الأجل إن كان يدوم إلى أن يرجع فلا منع، وإن كان يحل قبل أن يرجع ففيه الخلاف.

والأضعف على ما حكاه الإمام – المنع مطلقاً، والمذهب الأول، وخوف الهلاك موجود في الإقامة.

والحديث دال على منع جهاد من عليه دين، لا على منع السفر له، ومنع الجهاد مذكور في آخر الكتاب، وتجري الوجوه الثلاثة الأوَل في كل سفر مخوف مثل سفر البحر، [وفي "تتمة التتمة": أنها لا تجري فيه؛ فإن راكب البحر يسعى في السلامة، والغازي من يعرض نفسه للشهادة].

وعلى المذهب: لا يجب على المديون القيام لمستحق الدين عند طلبه الكفيل أو الراهن، أو أن يشهد [له] ذلك، وقد حكى عن صاحب "التقريب" رواية وجه في وجوب الإشهاد، واختار الروياني في زمانه وجوب القيام بالكفيل في السفر البعيد المخوف عند قرب الأجل؛ لخبث أهل الزمان.

قال: وإن كانت حالة وله مال يفي بها طولب بقضائها؛ [أي]: وإن لم يرد

<<  <  ج: ص:  >  >>