ويجوز إقامة البينة بالإعسار قبل الحبس وبعده، طال زمانه أو قصر، وكيفية الشهادة فيه أن يقول: أشهد إنه معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه، ولا يشترط أن يقول: وهو ممن تحل له الصدقة.
قال في "التتمة": ولا يقتصر على أنْ لا ملَك له، حتى تتضمن شهادته النفي لفظاً ومعنىً.
وفي "الجيلي" أنه قيل: إنه يشهد على نفي العلم، فيقول: لا أعلم له مالاً، ولا عرضاً، ولا عقاراً، ولا عيناً.
قال: فإن قال الغريم: أحلفوه إنه لا مال له في الباطن، [أي: بعد دعواه أن له مالاً في الباطن]، وقد أخفاه – حلف في أحد القولين، أي: وجوباً؛ لأنه يجوز أن يكون له مال لم تقف عليه بينة الإعسار، فإذا ادعى ذلك حلف، وهذا ما صححه الرافعي وغيره، وهو المنصوص في "حرملة"، وظاهر نصه في "المختصر". فإن امتنع من اليمين، حكى الماوردي عن [ابن] أبي هريرة: أنه يحبس إلى أن يحلف.
والقول الثاني: أنه لا يحلف وجوباً؛ لأن في ذلك قدحاً في الشهادة فلم يعرض كما إذا شهد عليه بأنه أقر، فسأل إحلاف المدعي على أنه أقر له، وللحاكم أن يستحلفه استحباباً واستظهاراً، وهذا ما حكاه في "الأم"، وهو ظاهر نصه في "الإملاء"، وهو الذي صححه الشيخ أبو حامد، والقائلون بالأول فرقوا بأن في المسألة المستشهد بها: الشهادة وقعت بأمر معلوم؛ فكان في التحليف عليه قدح في الشهود، وفي مسألتنا:[الشهادة] اعتمدت الظن؛ فلا يخالفه وقوع خلافه.
نعم، لو شهدت البينة بتلف المال لم يحلف وجهاً واحداً، وهو نظير المسألة المستشهد بها، وقد رجع حاصل القولين إلى أنه يحلف، لكن وجوباً أو استحباباً؟ فيه القولان، وعلى ذلك جرى البندنيجي والمحاملي وابن الصباغ وغيرهم، وحكى في "الاستقصاء" طريقة أخرى، وصدر بها كلامه: أن في جواز تحليفه قولين.
[وإذا قلنا: يحلف، فهل واجباً أو مستحباً؟ فيه قولان].