للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا نزاع في أن رب الدين إذا قنع بالشهادة، ورضي بعدم اليمين أنه لا يحلف، ولو لم يصدر منه طلب اليمين ولا الرضا بتركها، فهل للحاكم تحليفه، ويكون من أدب القضاء؛ فيجب عليه حتماً؟ فيه وجهان، أظهرهما: لا.

تنبيه: الغريم: هو الذي عليه الدين وغيره من الحقوق، ويطلق في اللغة – أيضاً – على صاحب الحق، والغَرَامة والغُرَم والمَغْرَم: ما وجب أداؤه، وقد غَرِم الرجل، وغَرَّمته، وأغرمته.

وأصله من: الغرام، وهو الدائم؛ ومنه قوله تعالى: - إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان: ٦٥]، فسمي الغريم: غريماً؛ لملازمته المَدِين ودوامه.

أحلفوه: لغة، وحَلَّفوه: أخرى.

قال: وإن لم يعرف له مال حلف إنه لا مال له؛ لأن الأصل عدم ملكه المال، وخلّي سبيله؛ لأنه إذا حلف ثبت إعساره، والمعسر لا يحل حبسه؛ قال الله تعالى: - وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]، وكما لا يجوز حبسه لا يجوز ملازمته؛ لما روى مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمارٍ ابتاعها، فكثر دينه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ"؛ فتصدقوا عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ"؛ وليس لكم إلا ذلك"، وهذا ما حكاه العراقيون، وهو الصحيح عند المراوزة، ووراءه لهم ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه يحبس إلى أن يقيم البينة على الإعسار.

قال الرافعي: لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئاً قل أو كثر.

والثاني: أن الدين إن لزمه باختياره كالضمان والصداق، فلابد من البينة، وإن لزمه بغير اختياره كإتلاف المال خطأ، فالقول قوله من غير بينة؛ لأن الظاهر أنه لا يشغل ذمته ولا يلزم ما لا يقدر عليه.

والثالث: إن كان الدين لزمه بمعاوضة، فلابد من البينة، وإن لزمه بغير معاوضة،

<<  <  ج: ص:  >  >>