للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم هذا الصلح، هل هو بيع لموضع رأس الجذوع من الحائط أو لا؟ ينظر فيه. فإن قدر الانتفاع بمدة، فلا نزاع في أنه إجارة.

وإن لم يقدر، فوجهان:

أحدهما: أنه بيع لموضع الجذوع، حتى لو انهدم الجدار ثم أعيد، عاد حقه وجهاً واحداً، وهذا ما حكاه ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد، والماوردي عن أبي حامد المرْوَرُّوذِي.

والثاني: لا، وإن صرح بلفظ البيع، وهو ما صححه الرافعي، لكن ما حكمه؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه إجارة لا غاية لها، وإنما لم يشترط تقدير المدة؛ لأن العقد الوارد على المنفعة تتبع فيه الحاجة، فإذا اقتضت الحاجة التأبيد أبد على خلاف سائر الإجارات، وألحق بالنكاح، وهذا ما اختاره ابن الصباغ، ورد على من قال بأنه بيع بأن عقد البيع تملك به الأعيان، وهاهنا لم يملك بهذا العقد شيئاً من الأعيان؛ بدليل أن الحائط لو انهدم كانت الآلات كلها لمالك الحائط دون صاحب الجذوع، ولو كان قد ملك لكانت الآلة له، ولم يقل بهذا أحد.

وأيضاً: فإن موضع الجذوع لو ملك خاصة لوقع هذا القائل فيما فر منه؛ فإن موضع الوضع يحمله بقية الحائط الذي لغيره، وتلك منفعة استحقاقها لا إلى غاية.

والثاني: أنه إجارة يعتبر فيها تقدير المدة، ولا يصح بدونها، وهذا ما حكاه الماوردي، وصححه مع حكاية الوجه الصائر إلى أنه بيع.

والثالث- وهو ما ادعى الرافعي أنه أظهر -: أن ذلك ليس بإجارة محضة، ولكن فيه شائبة إجارة: [وهو أن] المستحق به منفعته، وشائبة البيع، وهو أن الاستحقاق [فيه على التأبيد؛ فكأن الشرع نظر إلى أن الحاجة تمس إلى ثبوت الاستحقاق] المؤبد في مرافق الأملاك وحقوقها – مساسها إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في الأعيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>