وفي كلام الإمام في باب الضمان ما يمنع ما ادعاه من الاشتقاق؛ فإنه قال: وغلط من ظن أن الضمان من الضم؛ فإن النون أصلية في "الضمان" شهدت لها التصاريف، نعم فيه معنى الضم.
وأيضاً: فإن المحتال لو أبرأ المحيل بعد الحوالة لم يبرأ المحال عليه، و [لو] لم ينتقل الحق، وكان المحال عليه كالضامن لبرئ.
فرع: لو اشترط ألا تبرأ ذمته من المال [المحال به حتى يقبضه، وقد أحاله على من له عليه دين-] فهل تصح هذه الحوالة؟
فيه وجهان في "الاستقصاء" كالوجهين في صحة اشتراط الضمان بمال الحوالة.
قال: فإن تعذر من جهته، [أي: بفلس في الحياة، أو بموت المحال عليه مُعدَماً، أو بجحوده وحلفه] – لم يرجع على المحيل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ، فَلْيَتْبَعْ" قال الماوردي وغيره: وجه الدلالة منه من وجهين:
أحدهما: أنه لو كان له الرجوع لما كان لاشتراط الملاءة فائدة؛ لأنه إن لم يصل إلى حقه رجع به، فلما شرط الملاءة علم أن الحق قد انتقل بها انتقالاً لا رجوع به؛ فاشترط الملاءة حراسة لحقه.
والثاني قوله:"فَلْيَتْبَعْ" فأوجب عموم الظاهر اتباع المحال عليه أبداً، فليس أو لم يفلس.
ومن جهة المعنى: أن الحوالة تجري مجرى القبض؛ لأمرين:
أحدهما: أنه صرف يجوز الافتراق فيه، فلولا أنه قبض لبطل الافتراق.
والثاني: أن المحيل لو مات جاز لورثته اقتسام التركة.
فدل هذان على أن الحق مقبوض، والحقوق المقبوضة إذا تلفت لم يستحق الرجوع بها كالأعيان المقبوضة.