وكان يقول في الهبة قولاً ثالثاً فارقاً بين أن يكون الواهب ممن يسترفد من مثل الموهوب له أم لا.
ثم قال الإمام: ولا يمتنع أن يتخرج وجه ثالث هاهنا على هذا النحو.
والذي اختاره القاضي أبو الطيب في مسألة الأداء بالإذن من غير ضمان – كما حكاه ابن الصباغ في كتاب الرهن – قول أبي إسحاق، وهو ثبوت الرجوع، وقال: إنه ظاهر كلام الشافعي.
والذي اختاره الشيخ أبو حامد، وقال ابن الصباغ: إنه الذي يجيء على المذهب –قول ابن أبي هريرة، وهو عدم الرجوع؛ تمسكاً بمسألة القصَّار إذا قصر الثوب من غير شرط.
ولو ضمن بغير الإذن وأدى بغير الإذن فلا رجوع له عندنا اتفاقاً، وإن كان قد قام عنه بواجب؛ لأن أبا قتادة لما وفي الدينارين عن الميت، قال له – عليه السلام -: "الآن بَرَّدتَ جِلْدَتَهُ"، فلو كان الدين يثبت في ذمته، مع أنه ضمن وأدى بغير الإذن، لما كانت الجلدة قد بردت؛ لأن الدين الذي سقط خلفه غيره. وفي هذا نظر من حيث إن الأصحاب صرفوا قوله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة:"وَبَرِئَ مِنْهُ الْمَيِّتُ" إلى براءته بالنسبة إلى أبي قتادة – كما ذكرناه – وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن للضامن أن يرجع وإن ضمن وأدى بغير الإذن.
وحوالة الضامن المضمون له على من له عليه دين كالقضاء فيما ذكرناه، وكذا الحوالة عليه إن شرطنا رضاه، وإن لم نشرطه فلا يتجه أن يجيء وجه أبي إسحاق.
ثم محل الرجوع – حيث بينته – إذا أشهد الضامن على الأداء رجلين يقبل الحاكم شهادتهما، أو رجلاً وامرأتين كذلك، وكذا لو أشهد من ظاهره العدالة، وإن كان في الباطن غير عدل؛ على أولى الوجهين في الرافعي.
ولو أشهد عدلاً واحداً؛ اعتماداً على أنه يحلف معه، ففي "الحاوي" وغيره حكاية وجهين، أصحهما في "الرافعي": أنه يكفي.