وليعلم أن محل ما ذكرناه من القول بأن التالف يحسب من رأس المال أو يجبر بالربح مفروضاً فيما إذا حصل التلف بآفة سماوية، وألحق به السرقة والغصب إذا تعذر أخذ البدل منهما.
أما إذا كان التلف بفعل آدمي من أهل الضمان، نظر: فإن كان أجنبياً، فقد قال الإمام: إن القراض لا ينفسخ، وكذلك لو أتلف كله بل يؤخذ البدل من المتلف، ويستمر القراض، والعامل يستقل بالمطالبة.
وحكى القاضي الحسين ذلك عن القفال في [الرتبة الأولى] وقيده بما إذا كان الإتلاف بعد التصرف، أما إذا كان قبله، فإنه ينفسخ القراض؛ لأنه لم يتعلق به حق العامل بعد.
وقال: إنه ذكر في [الرتبة الثانية] أن الإتلاف إن حصل، ولم يكن في المال ربح؛ ففي انفساخ عقد القراض وجهان أحدهما: نعم. والثاني: تؤخذ القيمة من المتلف وتجعل قراضاً.
وإن كان فيه ربح فعلى الأول: العامل يطالبه بنصيبه، وليس له أن يخاصم عن رب المال.
وعلى الثاني: له أن يخاصم عن رب المال، ويأخذ جميع القيمة، ويتصرف فيها.
وهذا التفريع يدل على أن في انفساخ القراض في حالة الربح أيضاً قولين.
وإن كان المتلف رب المال فإتلافه بمنزلة استرداد المتلف، فإن أتلف البعض انفسخ القراض فيه.
قال القاضي الحسين: وكذلك إذا أتلف العامل، حكمه حكم ما لو استرد شيئاً من مال القراض ينفسخ العقد في ذلك القدر. والفرق بينهما وبين الأجنبي أن لهما الفسخ، فلذلك جعلنا ذلك فسخاً.
ووافقه الإمام على ذلك، لكنه وجهه في حق العامل بأن ما يأتي به بعد الضمان لا يقع ملكاً لرب المال، فكيف يبقى القراض؟
وفسر الرافعي قول الإمام بأن العامل وإن وجب البدل عليه، فهو لا يدخل في ملك المالك إلا بقبض منه، وحينئذ يحتاج إلى استثناء القراض، ثم قال: ولك أن تقول: ذكروا وجهين في أن مال القراض إذا غصب أو أتلف، من الخصم؟ فيه وجهان:
أظهرهما: أنه للمالك إن لم يكن في المال ربح، وهما جميعاً إن كان فيه ربح.