قال: الإجارة بيع؛ لأنها تمليك من كل المتواجرين لصاحبه، لصاحبه، فإن المستأجر يملك المنفعة في مقابلة الأجرة والآجر يملك الأجرة في مقابلة المنفعة فكان كبيع العين بالعين.
ونظم ذلك قياساً: أنه تمليك معلوم بمال معلوم فكان كبيع العين بالعين. واختصاصه باسم الإجارة لم يخرجه عن أن يكون بيعاً؛ ألا ترى أن الصرف والسلم والصلح بيع، وإن اختص باسم.
إذا تقرر ذلك فما المعقود عليه؟ الذي ذهب إليه الأكثرون: المنفع وتوجه العقد إلى العين لتعيين المنفعة لا لأنه ورد العقد عليها.
وقال أبو إسحاق: إنما يتناول العقد [العين] دن المنفعة ليستوفي من العين- مقصوده من المنفعة؛ لأن المنافع غير موجودة حين العقد فلم يجز أن يتوجه العقد إليها. وخطأه الماوردي، وكلام القاضي الحسين يقتضي ترجيحه، فإنه قال: الأصح أنها عقد على العين لاستيفاء المنفعة منها وهذا حقيقة ما ذهب إليه أبو إسحاق.
وقال الإمام: إن القاضي أشار بذلك إلى أن العاقد يقول: أجرتك هذه الدار، فيضيف لفظه إلى عينها؛ والمقصود استيفاء المنفعة منها، ومن هنا أخذ الرافعي أن هذا الاختلاف ليس خلافاً محققا؛ لأن من قال: المعقود عليه العين [لا] يعني به أن العين تملك بالإجارة كما تملك بالبيع؛ ألا ترى أنه قال: المعقود عليه العين لاستيفاء المنفعة، ومن قال المعقود عليه المنفعة لا يقطع الحق عن العين بالكلية؛ بل له أن يسلم العين وإمساكها مدة العقد لينتفع بها.
وقد حكى في البحر وجهاً في أن حلى الذهب لا يجوز إجارته بالذهب، وحلي الفضة لا يجوز إجارته بالفضة، ولا يظهر له وجه إلا التخريج على مذهب أبي إسحاق، وإذا كان كذلك فقد صار خلافاً محققاً، ونشأ منه الاختلاف في هذا الفرع، ثم على الصحيح هل تحدث المنفعة على ملك المستأجر أو ملك الآجر ثم تنتقل إلى المستأجر؟