والثاني: لا يلزمه؛ لأنه نفى بيمينه ما ادعي عليه من العدوان؛ فوجب أن يعمل بموجبها كيمين صاحب الثوب في نفي الأجرة.
وأيضاً: فإنه لو لم يحلف لكان لا يلزمه إلا أرش النقص، فلا بد وأن يكون ليمينه فائدة؛ وهذا ما رآه المزني في الجامع الكبير، وهو الأصح، وبه جزم الماوردي، والقاضي الحسين.
ثم على الأول، فيما يغرمه من الأرش ثلاثة أقوال حكاه الماوردي:
أحدها: ما بين قيمة الثوب صحيحاً ومقطوعاً قميصاً لأنه أثبت بيمينه: أنه لم يأذن في هذا القطع، وقد اختار هذا أبو إسحاق وصححه الإمام.
والثاني: ما بين قيمته مقطوعاً قباء ومقطوعاً قميصاً، فيقال: كم قيمة الثوب صحيحاً؟ فإذا قيل: عشرون، قيل: وكم قيمته مقطوعاً قباء؟ فإذا قيل: خمسة عشر، قيل: وكم قيمته مقطوعاً قميصاً؟ فإذا قيل: ثلاثة عشر؛ لزمه درهمان.
فلو خرجت القيمتان متساويتين، فلا شيء عليه.
ووجه هذا: أن أصل القطع مأذون فيه، وإنما تعدى بالزيادة.
قال الإمام: وهذان القولان محلهما إذا جرى ابتداء القطع على حسب الإذن، ثم ترتب عليه قطع يخالف الإذن، أما إذا كان القطع المنفي باليمين على وجه لا يترتب شيء منه على جنس القطع المأمور به، فيجب القطع بإيجاب إتمام الضمان.
وقد حكى الشيخ أبو محمد هذين القولين وجهين، وبناهما على أصلين:
أحدهما: القولان فيما إذا اكترى أرضاً ليزرعها حنطة، فزرعها ذرة- ففي قول: عليه أجرة المثل؛ نظراً إلى أن ابتداء الفعل عدوان، وفي قول: يغرم تفاوت ما بين الزرعين.
والأصل الثاني: الخلاف في أن الوكيل إذا باع بالغبن الفاحش كم يغرم: هل جميع قدر الغبن أو يحط عنه ما يتغابن بمثله؛ لأنه كالمأذون فيه؟
ولم يرتض الإمام البناء على الأصل الأخير.
والقول الثالث: أن ما يصلح من القميص للقباء لا يلزمه ضمانه، وما لا يصلح [له] يلزمه ما بين قيمته صحيحاً ومقطوعاً؛ وهذا ما اختاره ابن أبي هريرة وأدرجه الروياني في البحر في القول الثاني.