قال: وهو أن يجعل، أي: المطلق التصرف، لمن عمل له عملاً، أي: يجوز بذل الأجرة في مقابلته على الجملة عوضاً، فيقول: من بنى لي حائطاً، أو: رد لي آبقاً- فله كذا؛ فإذا عمل [له] ذلك، أي: من سمع ذلك منه أو من غيره – كما ذكره القاضي الحسين- استحق الجعل؛ لما ذكرناه مع قوله- عليه السلام-: "الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ". ثم إن كان الجعل في الذمة فقد استقر، وإن كان معيناً وجب تسليمه؛ فلو تلف قبل إقباضه نظر:
إن تلف قبل المطالبة كان فيما يرجع به قولان:
أحدهما: قيمته.
والثاني: أجرة المثل.
وهما مبنيان على أنه مضمون ضمان يدٍ، أو ضمان عقد؛ كالقولين في الصداق.
قال الإمام عند الكلام في مسألة العلج: ووجه المشابهة: أن المنفعة في الجعالة فائتة بعد تسليم العمل على وجه يستحيل تداركها؛ كما أن البضع بعد الوطء في حكم الفائت.
وإن كان بعد الطلب، وامتنع من إقباضه متعدياً: فإن قلنا: إنه مضمون بالعقد، فقد قال القاضي الحسين: تلفه بعد الامتناع بمثابة إتلاف الجاعل نفسه؛ فيكون بمثابة ما لو أتلف البائع المبيع قبل القبض، وفيه قولان. أما إذا عمل من لم يسمع قول المالك ومن يقوم مقامه فهو كما لو عمل قبل الإذن، وأبدى الشيخ أبو محمد تردداً فيما إذا رده من لم يسمع؛ طمعاً في حصول أجرة.
تنبيهات:
أحدها: تمثيل الشيخ ببناء الحائط يدل على أن الجعالة تجوز حيث تجوز الإجارة، كما إذا قال: من رد عبدي الآبق من البصرة، أو: خاط لي هذا الثوب، ونحو ذلك. وتمثيله برد الآبق يدلع لى جوازها فيما لم تجز الإجارة فيه، للجهالة [فيه]. وعلى المثال الأول ينطبق ما حكاه المزني عن الشافعي في "المنثور" أنه قال: [لو قال]: أول من يحج عني فله دينار، فحج عنه إنسان استحق الدينار،