ولكن المزني قال بعد ذلك: وكان ينبغي أن يستحق أجرة المثل؛ لأنه إجارة فلا يصح بغير تعيين. وهذا منه يدل على اعتقاده [اختصاص] الجعالة بالمجهول الذي لا يتقدر بحيث تجوز الإجارة عليه؛ كما في المضاربة، والأكثرون على ما حكاه الشيخ، ونسبوا المزني إلى الغلط.
وقد أبدى الغزالي في هذا الباب مذهب المزني احتمالاً، وحكاه الإمام عن بعض الأصحاب فقال: إنه الأصح. وإليه أشار في "الوسيط" في كتاب الحج، بقوله بعد حكاية ما نقله المزني عن الشافعي: وأشار بعض الأصحاب إلى تزييفه. فعلى هذا: لو عمل العامل ما وقع العقد عليه من بناء وخياطة وحج ونحو ذلك، استحق أجرة المثل؛ لوجود الإذن، وفيه وجه: أنه يفسد؛ لأنه ليس موجهاً نحو معين؛ [كما لو قال: وكلت كل من أراد بيع داري؛ فإنه لا يصح التوكيل].
الثاني: قول الشيخ: وهو أن يجعل لمن عمل له عملاً .. إلى آخره، فيه:[كما] لو قال: من رد عبد فلان الآبق فله [علي] كذا، فرده إنسان- لا يستحق عليه المسمى. وقد يستدل له بأن العمل لم يقع له؛ فلم يصح كالإجارة، ويؤيده: أنه لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الآبق؛ فكيف يستحق الأجرة؟ ولم أر هذا منقولاً، بل المجزوم به في "الرافعي" و"الحاوي": أنه يستحق عليه؛ لالتزامه، وليس كما [إذا] التزم [الثمن] في بيع غيره، والثواب على هبة غيره؛ لأنه عوض تمليك فلا يتصور رجوعه به على غير من حصل له الملك، والجعل ليس عوض تمليك، وهذا نازع إلى أن العوض في يد الجاعل مضمون ضمان يد، وقد ذكرنا على قول أنه مضمون ضمان عقد؛ فيتأيد به ما يفهم من كلام الشيخ، ويقوم مقام قول المالك: من رد عبدي فله كذا؛ قول غيره بإذنه: قال فلان: من رد عبدي فله كذا؛ إذا كان القائل ممن يعتمد على قوله، ويستحق على الإذن الجعل دون القائل. ولو قال ذلك بغير إذن فلا جعل على واحد منهما، وكذا لو قال من لا يعتمد على قوله. ويقوم مقام، قوله: من رد عبدي فله كذا، قوله: إن رده إنسان، أو: إن رددت فلك كذا، أو: رده ولك كذا.