فإن قيل: لو استأجر للحج عنه، فمات الأجير بعد ما فعل بعض الحج، استحق بقدر ما عمل على رأي، وإن لم يحصل شيئاً من المقصود.
فالجواب عنه- كما ذكره الأصحاب- من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن القصد بالحج الثواب، وقد حصل للمستأجر بما فعله الأجير ثواب، وهاهنا شرطه الرد، وما رد.
الثاني- وبه أجاب الشيخ أبو حامد-: أن الحج عقد لازم، بخلاف الجعالة.
والثالث- قاله ابن الصباغ-: أن العمل في الحج يقع مسلماً؛ لأنه لا يمكن تسليمه إلا جزءاً بجزء؛ فلهذا وجب بعض الأجرة كما لو استأجره لخياطة ثوب، فخاطه في ملكه.
وفي مسألتنا التسليم برد الآبق، فإذا لم يرده لم يستحق شيئاً، كما لو استأجره لقصارة ثوب، فقصر بعضه وتلف قبل تسليمه.
وضعف الأول: بأن القصد بالحج إسقاط الفرض ولم يحصل منه شيء، والثاني: بأنه منتقض بالإجارة على خياطة ثوب؛ فإنه إذا خاط بعضه وتلف قبل التسليم، لا يستحق شيئاً من الأجرة مع أن العقد لازم.
قلت: وما قاله منتقض- أيضاً- بما حكاه من أن الجعل لو كان في مقابلة تعليم صغير حر شيئاً من القرآن، فعلمه بعضه، ثم فسخ العقد- لا يستحق شيئاً من الجعل مع أن علمه وقع مسلماً.
فرع: إذا مات العامل المعين في رد الآبق في بعض الطريق، فإن رده وارثه إلى يد مالكه استحق من الجعل المعين بقسط عمل مورثه؛ لأن عمله لم يفت، ولا يستحق الوارث غيره، وإن لم يرده الوارث فالصحيح: أنه لا شيء بسبب عمل الميت.
وقال بعض أصحابنا: يستحق الوارث من الجعل المسمى بقدر ما عمله الميت؛ لأن تتمة العمل لم تفت باختياره، بخلاف الحي إذا ترك. قال الماوردي: وهذا ليس بصحيح؛ فإن العبد لو مات لم يستحق العامل شيئاً.
قال: ولا يجوز لصاحب العمل إلا بعد أن يضمن للعامل أجرة ما عمل. وهكذا لفظ القاضي الحسين وكثيرين؛ لأنه استهلك منفعته بشرط العوض فلزمه أجرته؛ كما لو فسخ المضاربة بعد الشروع في العمل. ولفظ القاضي أبي الطيب في "تعليقه" وكذلك البندنيجي: لم يجز إلا أن يدفع إليه أجرة المثل في مقابلة ما