ولأن من لم يقر في دار الإسلام إلا بجزية لا يملك بالإحياء، كالمعاهد، ولأنه نوع تمليك ينافيه كفر الحربي؛ فوجب أن ينافيه كفر الذمي؛ كالإرث من مسلم.
وما تمسك به أبو حنيفة في جواز إحياء الذمي من عموم قوله- عليه السلام-: "مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ .. "، والقياس على الاحتطاب- فمدفوع؛ لأن الخبر وارد في بيان ما يقع به الملك.
وقوله: فـ"هِيَ لَكُمْ مِنَّي" وارد في بيان من يقع له الملك؛ فصار المفسر في كل واحد منهما فيما قصد له قاضياً على صاحبه؛ فصار الخبر في التقدير: من أحيا أرضاً ميتة من المسلمين فهي له.
والقياس منتقض بالغنيمة، ثم لو سلم من النقض فالفرق: أن الحطب والحشيش يستخلف فلا يتضرر المسلمون بأخذه، بخلاف الموات، وهذا هو المذهب.
وقيل: إذا أحيا بإذن الإمام ملك، و [به] قال الأستاذ أبو طاهر: ثم على الأول: إذا أحيا وكان له عين مال كان له نقله، فإن بقي أثر العمارة: فإن أحيا محي بإذن الإمام ملكه، وإن لم يأذن فوجهان.
فإن رتك العمارة متبرعاً تولى الإمام أخذها وصرفها إلى مصالح المسلمين، ولا يجوز لأحد تملكها.
قال:"ويملك في دار الشرك"؛ لأنه من حقوق دارهم، ولا [ضرر] على المسلمين فيه؛ فملكوه بالإحياء كما تملكوا الصيد بالاصطياد، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المسلمون قد فتحوا ذلك أم لا إذا لم يكونوا قد ذبوا عن الموات، كما صرح به الإمام؛ لأنه ليس من بلاد الإسلام حتى يمتنع إحياؤه عليهم، أما إذا كانوا قد ذبوا عنه بالقتال فسنذكره.
قال:"وكل موات لم يجر عليه أثر ملك ولم يتعلق بمصلحة عامر" أي: لحريم الملك ونحوه، كما سنذكره- "جاز تملكه بالإحياء"؛ لما ذكرناه.
قال الإمام: ولا يشترط في ذلك العلم والدرك الحقيقي، بل يكفي ألا يرى