على ذلك أثر عمارة، ولا يراه من حقوق موضع عليه أثر عمارة، ولا يعلم أنه كان عامراً بسبب من الأسباب.
قال:"وما جرى عليه أثر ملك" أي: وكان خرابة بعد الإسلام "ولا يعرف له مالك: فإن كان في دار الإسلام لم يملك بالإحياء"؛ لما روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَعْمَرَ أَرْضاً مَيِّتَةً لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"، فشرط ألا تكون لأحد، وهذه إما لوارث أو لبيت المال، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ"، وهذا مال امرئ مسلم في الظاهر؛ فعلى هذا يجوز للإمام أن يحفظه إلى أن يظهر صاحبه إذا رأى فيه مصلحة، وإن رآها في البيع فعل وحفظ ثمنه، وله أن يستقرضه على بيت المال، صرح به الإمام.
وهل يجوز أن يقطعه لمن يعمره؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي عن ابن كج، ورجح الروياني وجه الجواز، وحكى البندنيجي وغيره وجهاً آخر: أنه يملك بالإحياء.
وصور القاضي أبو الطيب محله بما إذا خربت قرية المسلمين وتعطلت؛ تمسكاً بقوله – عليه السلام-: "مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ"؛ فإن هذا أحق بالتسمية؛ لأنه كان حياً بالعمارة وقد مات بالخراب.
والقائلون بالأول قالوا: ما لم يحي أصلاً أحق به؛ لأنه ميتة في كل حال.
قال: وإن كان في دار الشرك فقد قيل: يملك؛ لأن الظاهر أنها لمن لا حرمة له فأشبهت الركاز، وهذا ما صححه الرافعي والبغوي، وبه قال صاحب "الإفصاح" وابن أبي هريرة.
وقال في "البحر": إنه أشبه بمذهب الشافعي. فعلى هذا يجوز نقل ترابه، ومن بادر إلى أخذه ملكه، "وقيل: لا يملك"؛ لجواز أن يكون لمن لم تبلغه الدعوة وقد ورثه مسلم- كما قال أبو الطيب- أو الكافر لا يحل ماله، وهذا ما صار إليه أبو إسحاق، وهو المذهب عند الشيخ أبي حامد ومن تابعه، وعلى هذا: لا يجوز نقل ترابه إلا بإذن الإمام، قاله في "التهذيب".
وقد حكى بعضهم هذا الخلاف قولين، وجعله الماوردي وجهين؛ كالوجهين