للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنه توعد على المنع؛ فدل على أن البذل واجب.

والثاني: أنه دل على أن الفاضل هو الذي يجب بذله.

والثالث: أنه دل على أنه يجب البذل بلا عوض.

والرابع: أنه دل على أنه إنما يجب [عليه] ذلك للماشية دون غيرها، وحكمته حرمتها في نفسها؛ بدليل وجوب سقيها، بخلاف الزرع.

والفرق بين وجوب فاضل الماء وبين عدم وجوب فاضل الكلأ من وجوه:

أحدها: أن الماء إذا أخذ استخلف في الحال.

والثاني: أن الكلأ يتمول في العادة.

والثالث: أن رعي الماشية يطول، فلم يلزمه تمكينها من دخول ملكه لأجله، والماء بخلاف ذلك.

وقد حكى مجلي والمتولي عن بعض أصحابنا: أنه أوجب بذل الفضل للزرع إذا احتاج إليه، وقد يستدل له بما رواه البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةُ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ .. " وعد منها: "رَجُلُ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ".

وروى القاضي أبو الطيب وغيره عن أبي عبيد بن حربوية من أصحابنا: أنه لا يجب البذل للبهائم؛ بل يستحب لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ"، وهذا ما اختاره الإمام، وحكاه عن القاضي، والجمهور على الأول، وقالوا: ما ذكره من الحديث عام، وما ذكرناه خاص؛ فكان أولى.

وعلى هذا: لو أراد من حفر بئراً طمها منع؛ لما تعلق بفضل مائها من حقوق السابلة. وهكذا لو حفر نهراً أو استنبط عيناً، صرح به الماوردي، ولو انطمت البئر لم يلزمه تنظيفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>