للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستحقي المسلمين؛ فكان ما حمى من خاصتهم أعظم منفعة لعامتهم وأهل دينهم، وقوة على من خالف من عدوهم، فعلى هذا: لو أحياه أحد بغير إذن الإمام فهل يملكه؟ فيه قولان، وقيل: وجهان:

أحدهما: لا؛ كما لا يملك ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما صححه في "البحر".

ووجه الجواز: أن التمليك بالإحياء ثابت بالنص، والحمى إنما يثبت بالاجتهاد، والمنصوص عليه أولى من المجتهد فيه.

ولو أحياه بإذن الإمام ملكه، كذا قاله القاضي أبو الطيب.

قال: "ولا يجوز في الآخر"؛ لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ حِمَى إِلَّا للهِ وَلِرَسُولِهِ"، ولأنه لا يجوز أن يحمى لنفسه؛ [فلا يجوز أن يحمى مطلقاً لغيره من الرعية، وعكسه النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجوز له أن يحمي لنفسه] وإن لم يفعله؛ فكان له أن يحمي لغيره.

والمنتصرون للأول منهم من يروي الحديث: " لاَ حِمَى إِلَّا للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ"، ومنهم من يرويه بغير هذه الزيادة، ويقول: معناه: لا حمى إلا أن يقصد به وجه الله تعالى كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حماه لفقراء المسلمين وفي مصالحهم، ورد على مخالفة فعلى الجاهلية؛ فإن العزيز منهم [كان إذا] انتجع بلداً مخصباً أوفى كلب على جبل أو على نشز من الأرض- أي: أشرف به- ثم استعوى الكلب، ووقف له من كل ناحية من يسمع منها صوته؛ فحيث انتهى صوته بالعواء حماه من كل ناحية لنفسه، ويرعى مع العامة فيما سواه ويمنع، هذا من غيره. فورد الخبر؛ نهياً لهم عن هذا.

وأجابوا عن القياس على آحاد المسلمين: بأنه ليس لواحد منهم النظر في مصالح المسلمين؛ ولهذا لم يكن له أن يحمي، وليس كذلك الأئمة.

تنبيه: الحمى: الممنوع، يقال: حميته أحميه، أي: منعته ودفعت عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>