وأما المغلَّب على اللقط هل حكم الأمانة أو حكم الأكساب؟ فيه قولان مأخوذان من معاني كلام الشافعي.
ثم الأصل في مشروعيتها من الكتاب قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: ٢]، وفي أخذ اللقطة وردها على صاحبها معاونة على البر والتقوى.
ومن السنة: ما روى الشافعي عن مالك عن ربيعة بن يزيد مولى [المنبعث عن] زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلا فَشَانُكَ بِهَا". وسأله عن ضالة الغنم فقال:"خُذْهَا، فَإِنَّهَا لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"، وسأله عن ضالة الإبل فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى احمرت وجنتاه- وفي رواية: حتى احمر وجهه- وقال:"مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَاكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا"، وغير ذلك من الأخبار.
وقد أجمع المسلمون على جواز أخذها في الجملة، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل.
ومعنى قوله عليه السلام:"هِيَ لَكَ" أي: إن أخذتها ["أَوْ لأَخِيكَ" أي: إن أخذها] "أَوْ لِلذِّئْبِ" أي: إن لم تؤخذ أكلها الذئب.
وقوله- عليه السلام- في ضالة الإبل:"مَا لَكَ وَلَهَا" أي: لا تأخذها.
وقوله:"مَعَهَا" أي: أجوافها؛ فإنها تأخذ ماء كثيراً فتبقى عليه أكثر ما يبقى سائر الحيوانات.
وقوله:"وَحِذَاؤُهَا" أي: خِفاف أرجلها التيت قدر بها على السير وطلب المرعى، وتمتنع بها من صغار السباع.
وقوله:"تَرِد ُالْمَاءَ وَتَاكُلُ الشَّجَرَ" عنى به: أن عنقها طويل فتنال الماء والمرعى من الشجر؛ فهي محفوظة بنفسها غير محتاجة إلى أخذ وبهذه الأمور خالفت الغنم.