قال القاضي أبو الطيب: يحتمل أن يكون علي لم يعرفه؛ لاضطراره إليه، والمضطر يجوز له الانتفاع بمال الغير من غير إذنه، وكأنه لم يقف على صدر الحديث؛ فإن فيه أن الرهن وقع بعد [أن] حصل له دقيق، وذلك ينفي الاضطرار.
قال: وقدر بالدراهم؛ لأن ما دون الدرهم لا يجب تعريفه؛ لقول عائشة- رضي الله عنها-: "لاَ بَاسَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ".
قال:"وقدر بما لا يقطع فيه السارق"؛ لأنه تافه، قالت عائشة- رضي الله عنها-: "مَا كَانَتِ الأَيْدِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ"، وقد اختار هذا الوجه صاحب "المرشد".
وحكى القاضي الحسين في "تعليقه" الأوجه الثلاثة على النعت الذي ذكره الشيخ، ثم قال: والصحيح: أن كل ما لو ضاع عنه يحزن عليه [في العرف] ويتأسف في العادة عليه، إذا ضاع فهو [كثير، وما لا يحزن عليه إذا ضاع فهو] قليل، والدرهم فما فوقه كثير.
وإذا جمعت ما قيل في حد القليل كان خمسة أوجه.
قال: وظاهر المذهب: أنه لا فرق بين القليل والكثير؛ [لعموم الأخبار، ولأن اللقطة جهة من جهات التملك؛ فاستوى فيها القليل والكثير] كالابتياع، وهذا أظهر عند العراقيين، وأصح في "تعليق" القاضي الحسين، ومجزوم به في "الحاوي".
وكل هذا إذا لم يبلغ في القلة إلى حد تسقط معه القيمة، أما إذا بلغ كالتمرة والزبيبة، فلا يجب تعريفها بحال، وأبدى الرافعي احتمالاً في منع التقاطها؛ بناء على عدم ضمانها، ومنع التقاط ما لا يضمن بدله: كالكلب، كما سنذكره.