أصحهما: نعم, وهل يقوم قبول السيد مقام قبوله؟ فيه وجهان جاريان في قبول الوصية, وصار الإمام في باب الوصية إلى أنه لا يعتد بقبول السيد في الهبة؛ لأن القبول فيها كالقبول في سائر العقود, وقبول الوصية بخلافه؛ ألا ترى أنه يعتد به منفصلًا عن الإيجاب, واقعًا بعد خروج الموجب عن أهلية الإيجاب, وصادرًا من وارث [الموصي له] مع أنه لم يخاطب؟!
ثم إذا جوزنا للعبد القبول بدون الإذن, فهل يجوز أن يقبل ما يلحق سيده منه ضرر كالعبد الزمن والدابة الزمنة؟ فيه وجهان في "تعليق" القاضي الحين في كتاب اللقيط, وسنذكر عن الإمام في كتاب العتق ما يقتضي الجزم بالمنع.
والهبة من اللقطاء صحيحة وإن كانوا مجهولين, كما صرح [به] في "الوجيز" في باب اللقطة, وعلى هذا يقبل لهم القاضي. وقد استبعده الرافعي, [ثم] قال: ويجوز أن تنزل الجهة العامة منزلة المسجد حتى يجوز تمليكها بالهبة كما يجوز الوقف عليها. وهذا منه تصريح بأن الهبة بقصد التمليك للمسجد جائزة, ولعله محمول على هبة المسجد شيئاً يصرف في مصالحه كما صوره الأصحاب, وقالوا: يجوز أن يؤخذ ما اشترى له بالشفعة, ويجوز أن يأخذ له بالشفعة لهذا الغرض, كما صرح به القاضي الحسين وغيره في كتاب الوقف والشفعة, وقالوا: إن قيِّم المسجد يقبل له الهبة.
وتصبح الهبة من الحربي على الأصح, وفي "الذخائر" حكاية وجه في كتاب الوصية: انها لا تصح منه؛ كما لا تصح [له] الوصية على وجه.
قال: ولا تجوز هبة المجهول أي: العين أو القدر أو الصفة, ولا [تجوز] هبة ما لا يقدر على تسليمه أي: حسًّا أو شرعًا؛ لتعلق حق الغير به, و [لا] ما لم يتم ملكه كالمبيع قبل القبض؛ لأنه عقدُ يقصد به تمليك المال في حال الحياة فأشبه البيع.