وأما اعتبار البلوغ؛ فلأن الصبي غير مكلف؛ فلا يصح منه عقد الكتابة كالمجنون، وقد استدل بعضهم لذلك بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ ...} الآية [النور: ٣٣] والابتغاء: الطلب، وهو إنما يعتبر من المكلف؛ فاختص بها ما دل عليه الشرع؛ لكونها على خلاف القياس. و"الأيمان" في الآية جمع "يمين"، وأضاف الله تعالى الملك إلى اليمين؛ لأنه سبب الملك غالباً.
ثم إذا كاتب الصبي أو المجنون لم يثبت لهذا العقد حكم الكتابة الفاسدة أيضاً؛ لأن قبولهما لغو. نعم، إذا أدَّيا المال عتقا بحكم وجود الصفة دون العقد، ولا يرجع [السَّيِّد عليهما بشيء، بخلاف الكتابة الفاسدة مع المكلف؛ لأنه قد تلف المعقود] عليه في يده بحكم المعاوضة؛ فاقتضى ذلك ضمانه، والسيد هنا هو الذي سلط الصبي والمجنون على الإتلاف؛ فلم يرجع عليهما؛ كما لو باع منهما شيئاً فأتلفاه، وهذه رواية المزني.
وروى الربيع أنه يثبت التراجع عند كتابة المجنون، ويتبعه ما فضل من كسبه، ووافقه عليه ابن سريج.
وأبو إسحاق صحح رواية المزني، وبعض الأصحاب أثبت اختلاف الروايتين على قولين.
ومنهم من حمل رواية الربيع على ما إذا وقع عقد الكتابة في حال غفلة بمرض، ورواية المزني على ما إذا وقع في حال الجنون، ولاشك أنَّ الخلاف يجري فيما إذا كاتب الصغير أيضاً؛ لأن المجنون أسوأ حالاً منه.
العبد الموصي بمنفعته لا يجوز كتابته على الأصح، وهل يجوز كتابة العبد المستأجر؟
قال ابن القطان:"تجوز"؛ كما حكاه الرافعي عنه في كتاب "الإجارة".
وعن القاضي ابن كج: أنه لا تجوز، وبه جزم البندنيجي هنا، وكذلك الماوردي؛ لأجل أن عقد الكتابة يتضمن ملك العبد منافعه بحكم العقد، وهي