قال: والورع إن كانت عادته أن يطلق الثلاث؛ لأنه لو تركها من غير طلاق احتمل ألا يكون قد طلقها [فلا تحل لغيره بيقين، ولو راجعها، احتمل أن يكون قد طلقها ثلاثاً؛ فلا تحل له بيقين]، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ"، وهذا وإن كان فيه إعادة الضمير على الجملة المذكورة أولاً، والظاهر إعادة الضمير على أقرب مذكور- فالحامل عليه القرينة، وقد جاء في الكتاب العزيز في قوله تعالى:{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ}[البقرة: ٢٤٩]؛ فإن الاستثناء يعود على الشرب للقرينة، وإن كان الاستثناء يعود إلى أقرب مذكور، أو إليهما جميعاً كما ذهب إليه الشافعي في آية القذف.
أما إذا تيقن أنه أوقع الطلاق، وشك هل هو طلقة أو أكثر، وكانت عادته أن يطلق الثلاث- فالورع في حقه أن يبتدئ من الطلاق ما يكمل به الثلاث مع ما تحققه، لا أن يبتدئ [إيقاع] الثلاث؛ لما في ذلك من إيقاع زيادة على العدد الشرعي ظاهراً، وهو ممنوع من ذلك.
ولفظ الشيخ في "المهذب" في هذه الصورة: وإن كان الشك في الثلاث فما دونها طلقها ثلاثاً؛ لتحل لغيره بيقين.
ونوقش في التعليل؛ لأنها حلال للغير [بيقين] على كل تقدير، وأوله بعضهم على إضمار الخطبة، وقال: تقديره: لتحل لغيره [الخطبة بطريق التعريض] بيقين؛ [لأنها قبل أن يكمل إيقاع الثلاث مشكوك في إباحتها.
وقال بعضهم: لفظ الشيخ: لتحل بغيره]- بالباء لا باللام- وهذا فيه نظر؛ لأ، فيه تغيير اللفظ من غير فائدة؛ لأنها تحل لغيره والحالة هذه، وإن لم يطلقها [ثلاثاً بيقين].