للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استحقاق الشفعة عليه؛ لأنه لا يعتقد وجوبها عليه؛ فإذا حلف كان صادقاً.

وعن بعضهم: أنه إذا حلف كان حانثاً في يمينه؛ كذا قاله ابن الصباغ قبل كتاب الرجعة، وسنعود إلى ذلك- إن شاء الله تعالى- في باب اليمين في الدعاوى.

قال: وإن حلف على مستقبل؛ فإن كان على أمر مباح، أي: كدخول دار، وأكل طعام، ولبس ثوب، وغير ذلك- فقد قيل: الأولى: ألا يحنث؛ لقوله- تعالى-: {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١]، وقوله- عليه السلام-: "وَإِنِّ وَاللهِ، إِنْ شَاءَ الله لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"؛ فخصص رسول الله صلى الله عليه وسلم الحل بما إذا كان الفعل خيراً من الترك، ومفهومه يدل على أنه إذا لم يكن خيراً لا ينبغي أن يحلها، وهذا ما قال به أبو علي الطبري، ومال إلى ترجيحه ابن الصباغ.

قال: و [قيل]: الأولى: أن يحنث؛ ليبين أنه بيمينه لم يغير حكم الله- تعالى- ولينتفع المساكين بإخراج الكفارة.

وفيه وجه ثالث: أنه يتخير بين الوفاء والحنث، ولا ترجيح كما كان قبل اليمين.

ولو حلف ألا يفعل مباحاً، كما إذا حلف لا يلبس الناعم، ولا يأكل الطيب من الطعام، وما في معنى ذلك- فالمذهب، على ما حكاه البندنيجي واختاره الشيخ أبو حامد والشيخ أبو محمد: أن حلها أفضل؛ لقوله- تعالى-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} [الأعراف: ٣٢]، قال: ويشهد له صدر سورة "التحريم"؛ فإنه- تعالى- قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]، ثم استحثه على الفعل بقوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢].

وفيه وجه آخر محكي عن صاحب "التقريب" وغيره، واختاره القاضي أبو الطيب والصيدلاني: أن المقام عليها أفضل؛ لما روي عن عمر- رضي الله عنه- أنه قيل له: لو ألنت طعامك وشرابك؟ فقال: "إني أعلمكم بدقيق العيش، ولباب البر، وصغار المعز، ولكني سمعت الله- تبارك وتعالى- يقول لأقوام: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>