وروى البخاري عن أبي هريرة أنه- عليه السلام- قال:"وَابْدَا بِمَنْ تَعُولُ؛ تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ المَمْلُوكُ: أَطْعِمْني وَاسْتَعْمِلنِي، وَيَقُولُ الابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَي مَنْ تَدَعُنِي؟ " قَال: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُ؟ قَالَ: مَا هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيرَةَ.
وأجمعت الأمة على وجوب نفقة الزوجات على الجملة.
قال: فإن كان موسراً لزمه مدان من الحب المقتات في البلد، أي: غالباً، وإن كان معسراً لزمه مد، وإن كان متوسطاً لزمه مد ونصف.
أما اعتبار التفاوت بين الموسر وغيره فالدليل عليه قوله تعالى:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي: ضيق {فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}[الطلاق: ٧].
وأما اعتبار المدين في حق الموسر، والمد في حق المعسر- فقد تمسك الأصحاب فيه بأن الشرع قدر النفقة بالاجتهاد، ولا يجوز اعتبارها بقدر الحاجة؛ لأنه لو كان كذلك لسقطت نفقة المريضة ومن هي مستغنية بالشبع في بعض الأيام، وإذا بطل هذا المأخذ، وجب أن تلحق بما هو شبيه بها، وأشبه شيء بها الكفارات؛ لأن كل واحدة منهما طعام واجب بالشرع؛ لسد الجوعة؛ فيستقر في الذمة.
وأيضاً: فقد اعتبر الله- تعالى- جنس الإطعام في الكفارة بنفقة الأهل بقوله- تعالى-: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة: ٨٩]؛ وذلك يدل على المشابهة والمقاربة، وأكثر ما أوجبه الشرع في الكفارة مدان للمسكين الواحد في كفارة الأذى، وأقل ما أوجبه للواحد فيها مد في كفارة اليمين والظهار والوقاع؛ فوجب أن يكون هاهنا كذلك.
وأما اعتبار المد والنصف في حق المتوسط؛ فلأنا لو أوجبنا عليه المدين، لأضررنا به، ولو أوجبنا لها المد لأضررنا بها، وهو متردد بينهما؛ فوجب عليه من نفقة كل واحد منهما نصفها؛ دفعاً للضرر.
وأما اعتبار الحب المقتات في البلد؛ فلأن الله- تعالى- أوجب النفقة