للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: حديث جبريل يدل على أن وقت الظهر مشترك مع وقت العصر بمقدار أربع ركعات، وبه قال المزني، فلم عدلتم عنه؟

قلنا: الشافعي- رضي الله عنه- حمل صلاته العصر في اليوم الأول، على أنه شرع فيها حين صار ظل كل شيء مثله؛ لأنه بيان لأول وقتها، ويشهد له: الإجماع منا ومن الخصم على ذلك في وقت الظهر؛ إذ لو كان المراد: أنه صلى بمعنى: فرغ منها، لكان قد أحرم بها قبل الزوال، وذلك لا يجوز إلا على رأي ابن عباس. وحمل صلاته الظهرَ في اليوم الثاني على الفراغ منها، حين صار ظل كل شيءٌ مثله؛ لأنه بيان لآخر وقتها؛ وبهذا الحمل ينتفي الاشتراك في الوقت المفضي إلى خروج هاتين الصلاتين عن نظائرهما في فصل أواخر الأوقات عن أوائل ما يعاقبها، ويبقى قوله- عليه السلام-: "إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ: أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى"- على عمومه؛ فإنه لو كان الوقت مشتركاً بينهما، لما سمَّى من أوقع الظهر فيه مفرطاً.

وأيضاً فقد روى مسلم أنه- عليه السلام- قال: "وقت الظهر ما لم يحضر العصر"، وخبر أبي موسى الأشعري- الذي ذكرناه- يدل على ذلك- أيضاً- وهو متأخر عن بيان جبريل.

قال: وآخره إذا صار ظل كل شيء مثلَيْهِ، أي: على النحو الذي ذكرناه؛ لحديث جبريل.

قال: ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى الغروب؛ لظاهر قوله- تعالى-: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٨]، وقوله- عليه السلام-: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر" أخرجه مسلم. وخبر أبي موسى يدل عليه أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>