قال: وأما الأولاد فلا تجب نفقتهم إلا أن يكونوا فقراء زمني، أو فقراء مجانين، أو قراء أطفالاً؛ أي لا يتهيأ منهم العمل؛ لأن الله- تعالى- نص على وجوب كفاية الأطفال بقوله:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ}[البقرة: ٢٣٣] إلى آخرها؛ وذلك لعدم القدرة على الاكتساب، والمجانين والزمنى كذلك؛ فألحقوا بهم.
وأوجب أبو ثور النفقة مع اليسار.
قال: فإن كانوا [أصحاء بالغين]، أي: غير مكتسبين بأيديهم والأصل بهذه المثابة لم تجب نفقتهم، لأن الأصل في وجوب نفقة القرابات الصبا، وألحق به الزمانة والجنون؛ لمشابتهتهما حالة الصبا [وإذا] كانوا أصحاء متمكنين من الحيلة والتكسب- خرجوا عن أن يكونوا ملحقين بالصبيان.
قال: وقيل: فيه قولان كالأب، وهذا الطريق أظهر عند الرافعي.
وقد أجريت الطريقة الأولى في الأب أيضاً، لكن الفرق- على ما حكاه الشيخ وجماعة- أن حرمة الوالد [آكد] من حرمة الولد، بدليل: وجوب إعفافه، وعدم وجوب القصاص عليه بقتله، فتأكد وجوب نفقته؛ لقبح تكليفه اكتساب النفقة مع قدرته عليها، والطفل إذا بلغ إلى حد يقدر على الاكتساب فيه، حكمه في هذا المعنى حكم البالغ، حتى يفصل فيه بين أن يكون [ممن يليق به الاكتساب بيده أم لا، هكذا قاله الرافعي.
وفي "النهاية": أنه لا يشترط أن يكون] الولد عاجزاً عن الكسب، بل اتفق الأصحاب على أن استكسابه وإن كان يرد مقدار نفقته، فعلى الأب الإنفاق عليه، مع أنه لا خلاف أن الأب لو أراد أن يعلمه بعض الحرف؛ لاستصلاح معاشه، والنظر في عاقبة أمره- فله ذلك، وإذا علم حرفة، فكيف ينتظم في النظر تعطيلها، وقد ينساها إذا تركها؟ وإذا كان يتجه لهذا الرأي إعماله، فأي معنى لإحباط منفعته؟ وقد رأيت لبعض الأصحاب أنه ليس للأب أن يجشم ولده الكسب، وهذا ثلمة عظيمة.