حاصلة في مسألة قطع الأنملة؛ لأن الذي حصلت به الجناية فيها آلة الجراحة، وهي تقتل غالباً. وبهذا يندفع قوله أيضاً: إن الحد الثاني غير مانع. نعم، هذا التسير يخرج مسائل القتل بالإبرة؛ وكذلك صرح الشيخ بها؛ لخروجها عن الضبط.
وقوله: إن الحد الأول غير مانع؛ استدلالاً بمسألة السهم – ممنوع؛ لأنا نقول له: الموجود – فيما ذكرته – ليس إلا امتناع القصاص، وامتناع القصاص لا يدل على عدم العمدية؛ ألا ترى أن العمدية ثبتت، ويتخلف القصاص عنها؛ لاعتبار شيء آخر؟! فجاز أن يكون قصد عين الشخص شرطاً لوجوب القصاص، وإن صدق وصف العمدية بدونه، على أن المتولي حكى وجهاً في مسالة رمي السهم إلى قوم من غير قصد واحد بعينه: انه يجب به القصاص، وأشار إليه الغزالي في باب الصيد والذبائح.
وقد تكلم الأصحاب في حد العمد وعمد الخطأ بعبارات أخر:
فقال بعضهم: ما علم حصول الموت به بعد وجود قصد الفعل والشخص فهو عمد، سواء قصد الفاعل إزهاق الروح أو لم يقصد، وسواء حصل الموت به غالباً، أو نادراً كقطع الأنملة. وإن وجد القصدان معاً، وترددنا في أن الموت حصل به – فهو عمد خطأ. وهذا منه حد للمذهب الصحيح، وإلا فقد قال مجلي: إن بعض علمائنا قال: لابد من قصد إزهاق الروح.
وبعضهم قال: يشترط قصد عين الشخص، كما ذكرناه.
وقد [اعترض] على هذا القائل فيما ذكره من حد العمد؛ فقيل: إنه غير مانع؛ فإنه لو ضرب كوعه بعصا؛ فتورم الموضع، ودام الألم حتى مات – فإنا نعلم حصول الموت به، ولا قصاص فيه؛ ولأجل ذلك قال بعضهم: إن حد العمد ما يقصد به القتل غالباً في المثقلات، فأما في الجراحات فكل جرح سارٍ ذي غور.