والإشعار الثاني يؤيده ما حكاه ابن يونس من إطلاق القاضي أبي الطيب القول بالقود مطلقاً، وأنه الأصح، وأن صاحب "المستظهري" قال: وعندي: أنه لا اعتبار بقدرته على الدفع، والقود واجب؛ لا سيما إذا قلنا: لا يجب عليه الدفع عن نفسه، وقد حكى الماوردي خلاف ذلك جزماً فيما إذا قدر المخنوق على خلاص نفسه؛ لفضل قوته على قوة الخانق، ولم يفعل، وقال: إنه لا قود على الجاني؛ لأنه قاتل نفسه، وفي وجوب الدية قولان ممن أمر غيره بقتله، قال المحاملي: والصحيح: أنها لا تجب.
قال الماوردي: ويخالف من أريدت نفسه، فلم يدفع عنها حتى قتل؛ فإنه لا يسقط عن قاتله القود؛ فإن سبب القتل في المخنوق موجود [فكان تركه إبراء، وسببه في الطالب نفسه غير موجود]، فلم يكن [في] الإمساك قبل حدوث السبب إبراء.
فروع:
إذا حبسه في بيت؛ فمات جوعاً أو عطشاً – نظر: إن أمكنه الأكل والشرب؛ بأن كان ما يتناوله عندهن وهو يهتدي إليه، أو لا، وكان يمكنه أن يستدعيه؛ فيأتيه، فلم يفعل – فهو قاتل نفسه.
وإن [كان] منعه الحابس الطعام والشراب، وطلبه في مدة يموت مثله فيها غالباً من الجوع والعطش – فعليه القصاص، وكذا إذا كان عنده، وكان صغيراً لا يهتدي إليهما؛ فمات – يجب عليه القصاص وألحق الغزالي في "الفتاوى" بهذه الحالة ما إذا منع من افتصد من شد الفصاد حتى مات، فإن لم يمض عليه مثل تلك المدة؛ فمات: فإن لم ينك به جوع أو عطش سابق فهو شبه عمدن وإن كان به جوع سابق أو عطش ففيه طريقان في "التهذيب":
[أظهرهما في "الرافعي"، وهو المذكور في "الوجيز": أنه إن علم جوعه السابق أو عطشه لزمه القصاص، وإلا فقولان، أصحهما: المنع.