قال:"وإن طرحه في لجة، أي: لا يقدر على الخلاص منها، فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء – ففيه قولان:
أحدهما: يجب [عليه] القود؛ لأنه رماه في مهلكة، وقد هلك بسبب رميه، ولا نظر إلى الجهة التي يهلك بها؛ كما لو ألقاه في بئر مهلك، فكان أسفلها سكاكين منصوبة لم يعلم بها الملقي؛ فهلك بها، أو جرحه بسكين مسمومة لم يعلم الجارح بسمها؛ فمات بالسم.
وأيضاً: فإن لجة البحر، وهي معظم الماء –كما نبهنا عليها في الغصب- معدن الحوت، فالإلقاء فيها إلقاء إلى الحوت؛ فصار كما لو كتفه وعرضه للسبع، وهذا القول هو المنصوص للشافعي، والأصح في "الرافعي" وغيره.
والثاني: لا يجب؛ لأن الهلاك حصل بغير ما قصد به الملقى الإهلاك، وإذا لم يكن سبب الهلاك متعلق قصده صار ذلك شبهة دارئة للقصاص.
قال القاضي أبو الطيب: بالقياس على ما لو دفعه من حائط، فاستقبله إنسان بسيف فقده نصفين؛ فإنه يكون خطأ من الدافع؛ كذلك هاهنا، وهذا منه يدل على أن الملقى في مسألتنا إذا لم نوجب عليه القصاص يجب عليه دية الخطأ، وقد صرح الرافعي وابن الصباغ بأنها دية عمد الخطأ، وهذا القول رواه الماوردي عن حكاية الربيع.
وقال الإمام: إن الربيع خرجه مما إذا رمى [رجلاً] من شاهق، واعترض له واحد فقده بنصفين – فإنه لا قود على الرامي، وكذلك حكاه القاضي الحسين، لكنه قال: إن محله مع القول الأول إذا التقمه الحوت، أو اختطف رأسه بعد وصوله إلى الماء، أما إذا التقمه، أو اختطف رأسه قبل أن يصل إلى الماء – فلا يجب القود وجهاً واحداً، وهذه طريقة القفال؛ كما حكاها أبو الحسن العبادي عنه.