ولم يظهر له مخالف؛ فإن كان قد انتشر فهو إجماع، وإن لم ينتشر فهو حجة على الخصم – وهو أبو حنيفة، رحمه الله – لأنه يرى أن ذلك حجة كما هو رأي الشافعي في القديم.
ولا فرق في ذلك بين أن يكونا راكبين فرسين أو حمارين، أو أحدهما راكباً فرساً، والآخر راكباً حماراً، ولا بنيأن يكونا ماشيين، أو أحدهما راكباً وهو قصير، والآخر ماشياً وهو طويل، ولا بين أن يكونا مقبلين أو مدبرين، أو أحدهما مقبلاً والآخر مدبراً، ولا بين أن يقعا على وجوبهما أو على قُفِيِّهما، أو يقع أحدهما على وجهه، والآخر على قفاه؛ لأن صدم كل منهما لصاحبه قد وجد.
وقال المزني: إذا كانا ماشيين، ووقع أحدهما على وجهه – كانت ديته هدراً؛ لأنه دافع، ودية الآخر على عاقلته؛ لأنه مدفوع؛ فشابه ما إذا وقع بحجر وضعه الآخر في الطريق.
قال البندنيجي وصاحب "العدة": فمن أصحابنا من جعل هذا قولاً آخر للشافعي، وجعل المسألة على قولين.
وحكى الشيخ أبو علي عن صاحب "التلخيص" أنه صار إلى ذلك، وطرده فيما إذا وقعا منكبين على وجوههما، وقال: إن ديتهما هدر، وإذا وقعا على ظهورهما وجب على عاقلة كل منهما كمال دية الآخر.
ثم قال الشيخ أبو علي: وقد وافقه بعض الأصحاب، ومعظمهم ذهبوا إلى تغليطه.
وقال الماوردي: إن ما صار إليه المزني فاسد؛ لأن الاستلقاء يحتمل أن يكون لتقدم الوقوع، والانكباب لتأخر الوقوع، ويحتمل أن يكون الاستلقاء [في الوقوع]؛ لشدة صدمته؛ كما يقع الحجر من الحائط لشدة رميه؛ فلم يسلم ما اعتل به.
وكذا لا فرق بين أن يكون الاصطدام صدر عن صد أو لا عن قصد.
نعم، إن كان عن قصد فالدية فيه دية شبه العمد؛ كما قاله الشيخ أبو حامد، وبه جزم البغوي، وصاحب "العدة"، وإلا فدية الخطأ.
وقال أبو إسحاق المروزي: إذا اصطدم الفارسان عن قصد فذلك عمد محض، ويجب نصف الدية مغلظاً حالاً في ماله، ولا يجب القود؛ لأن الروح