وعن ابن عباس أن رجلاً قتل رجلاً في الشهر الحرام، في البلد الحرام؛ فقال:"دِيَتُهُ اثنا عشر أَلْفَ درهمٍ، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف".
قال القاضي أبو الطيب: والاستدلال من هذه الأخبار بوجهين:
أحدهما: أن هذا كان بمحضر من الصحابة عند اجتماع الناس بالموسم، ولم ينكره منكر، ولا رده راد؛ فدل على أنه إجماع منهم.
والثاني: أن هذا لا يدرك [اجتهاداً أو قياساً، وإنما يدرك] بالتوقيف؛ فدل على أنهم لم يفعلوه إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: فإن قتل شبه العمد يوجب التغليظ، وذلك لأجل ما اقترن بالقتل الخطأ [من عمد الضرب وقصده، وإذا كان ذلك سبباً للتغليظ، فاقتران هذه الأسباب بالقتل الخطأ] أولى بالتغليظ؛ لأن لكل واحد منهما تأثيراً في حقن الدم، وحفظ حرمته، نطق بذلك الشرع.
أما الأشهر الحرم؛ فلقوله تعالى:{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة: ٣٦]، وقال –عز من قائل-: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}[البقرة:٢١٧].
وأما الحرم؛ فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ"، فجعل القاتل [فيه] أعتي الناس.
وأما الرحم فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم:"نهى أبا حذيفة أن يقتل أباه، وقال: دعه يقتله غيرك"، "ونهى أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – أن يخرج إلى أبيه في القتال".