الثاني: أنه لا فرق في ذلك بين البلاد الحارة والباردة والمتوسطة، وهو وجه حكاه الماوردي، والإمام حكاه عن شيخه في البلاد المعتدلة. والذي نص عليه في "الأم"- كما قال أبو الطيب-: اختصاص ذلك بالبلاد الحارة: كالعراق والحجاز، ولم يحك البندنيجي غيره، وكلام الشيخ يجوز أن يحمل عليه؛ لأن بذلك يتحقق وجود الحر.
الثالث: أنه لا فرق بين أن يكون موضع الجماعة قريباً أو بعيداً، وهو قول حكاه أبو الطيب عن رواية البويطي، واختاره في "المرشد"، وبعضهم قال: إنه الأصح، ويشهد له ظاهر الخبر.
والذي نص عليه في "الأم"- ولم يحك البندنيجي غيره-: اختصاص ذلك بالموضع البعيد، وقائله يقول: لعل منازل من [كان زمن] النبي صلى الله عليه وسلم متفرقة بعيدة بعضها من بعض؛ على عادة المسافرين في النزول، والمسافة اليسيرة في البرية- فيما يرجع إلى المشقة- أعظم من المنازل البعيدة في الحضر.
الرابع: إجراء خلاف في استحباب الإبراد بالجمعة؛ لأنها ظهر مقصور- على رأي فتندرج في قوله، وصلاة مستقلة على آخر، وكلامه يفهم إخراج غير الظهر.
وقد صرح بالخلاف فيها غيره من العراقيين والمراوزة، واختار الغزالي: الإبراد. وما ذكرناه من كلام الشيخ يقتضي عكسه، وهو المختار في "المرشد" والأظهر في "الرافعي"، ويشهد له قول سلمة بن الأكوع:"كنا نُجَمِّع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس" متفق عليه.