قال: وإن أعوزت الإبل وجبت قيمتها بالغة ما بلغت في أصح القولين؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كَانَ يُقَوِّمُ الإِبِلَ عَلَى أَهْلِ القُرَى؛ فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا، وَإِذَا هَانَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا".
وروي عنه – أيضاً – قال:"كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِمَائَةَ دِينَارٍ، حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – فَغَلَتِ الإِبِلُ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ خَطِيباً؛ فَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ"؛ فَقَضَى عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الوَرِقِ بِاثْنَى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ".
وفيه دليلان:
أحدهما: أنه أخبر أن عمر – رضي الله عنه – زاد في قيمتها لما غلت؛ فدل على أنه ينتقل إلى قيمتها إذا أعوزت، وأن الذهب والفضة بدلان من الإبل، وليسا بأصلين.
والثاني: أن قوله: "كانت قيمة الدية كذا"، يدل على أن الواجب هي الإبل أصلاً؛ ولأن الإبل بدل متلف لا يجوز العدول عنه إلى غيره مع وجوده؛ فوجب الرجوع إلى قيمته عند إعوازه، أصله: إذا أتلف ما لَه مِثْلٌ، وهذا ما اختاره المزني، وهو الجديد.
فعلى هذا: تقوم بغالب نقد البلد، وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة.
قال الإمام والقاضي [الحسين]: فإن غلب النقدان في البلد يخير الجاني، وتقوم الإبل التي لو كانت موجودة لوجب تسليمها، فلو وجبت في بلد، والإبل موجودة في بلد – يجب النقل من مثلها، كما سنذكره؛ فهل الاعتبار بقيمة مواضع الوجود، أو بلد الإعواز لو كانت الإبل موجودة فيها؟ فيه وجهان في "التهذيب"، والأشبه: الثاني.