للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن العقل عرض يختص بمحل مخصوص؛ فلم تتداخل فيه أروش الجنايات كالسمع والبصر، وهذا هو الجديد.

ومقابله: أن أرش الجناية إن كان أقل، اندرج في دية العقل، وإن كان أكثر كما إذا قطع يديه وأنفه فذهب عقله –دخلت دية العقل في أرش الجناية، ووجبت ديتان؛ و [هذا] هو القديم؛ لأن ذهاب العقل يعطل المنافع من سائر أعضائه؛ لأن المجنون لا ينتفع بنفسه وإن كانت سائر أعضائه سليمة؛ فجرى ذلك مجرى خروج الروح، وقد أفسد هذا بأمور، ومنها: أن قضية تشبيهه بالروح: أن تندرج أروش الجنايات في دية العقل وإن كانت أكثر منه؛ كما تندرج أروش الجراحات في دية النفس وإن كانت أكثر منها، وأيضاً: فإنه لو قطع يد ميت [فإنه] لا قصاص عليه ولا دية، ولو قطع يد مجنون وجب.

واحترز المتولي عن هذا في توجيه هذا القول، فقال: العقل يشبه الروح؛ من حيث إن زواله يشبه زوال الروح [في زوال التكليف]. ويشبه فوات منفعة البصر؛ من حيث إنه يبقى الجمال في صورة الأعضاء مع زواله؛ كما يبقى الجمال في الحدقة بعد زوال الضوء؛ فلشبهه بالروح يدخل أرش الجناية في ديته إذا كان الأرش أقل، ولشبهه بالضوء لا يجمع بين بدله وبين أرش الجناية على الجزم؛ كما لا يجمع بين دية البصر وأرش العين القائمة، وإن كان تفويت العين القائمة يوجب حكومة، بل يدخل الأقل في الأكثر.

واعلم أن جزم الشيخ باندراج الأرش الذي ليس بمقدر دية في العقل، وحكاية الخلاف في الأرش المقدر – لم يوافقه عليه أحد من المصنفين فيما وقفت عليه، إلا القاضي الحسين في "تعليقه"، وقد حكاه الإمام عنه أيضاً، وقال: إنه ليس بشيء. والجمهور – كالقاضي أبي الطيب، والماوردي، والبندنيجي، وابن الصباغ، والمتولي، [والبغوي]، وغيرهم – حكوا القولين الجديد والقديم في الصورتين، وحينئذ يكون قول الشيخ: "دخل أرش الجناية في دية العقل"، اختياراً

<<  <  ج: ص:  >  >>