قال: فإن ادعى ذهاب الشم، تتبع في حال الغفلة بالروائح الطيبة والكريهة، أي: مرة بعد أخرى؛ لعدم إمكان إقامة البينة على الذهاب.
قال: فإن لم يظهر منه إحساس؛ أي: بأن كان لا يرتاح إلى الروائح الطيبة، ولا يظهر منه كراهة الروائح – المنتنة – حلف؛ لأن الظاهر معه، وإمكان تصنعه قائم.
وإن وجد منه الارتياح والكراهة، كان القول قول الجاني، لكن مع اليمين على بقاء شمه؛ لاحتمال حصول ذلك اتفاقاً.
ثم إذا حلفنا المجني عليه، ثم غطى أنفه عند شم رائحة منتنة، فادعى الجاني أنه غطاه؛ لبقاء شمه، وقال المجني عليه: غطيته؛ لحاجة أوعادة – فالقول قوله، ويحكم له بالدية، قاله الماوردي.
فرعان:
أحدهما: إذا قضينا بالدية، ثم عاد شمه- لزمه رد الدية؛ لعلمنا بأن ذهاب شمه كان لحائل، ولا شيء له، إلا أن يكون بعد عوده أضعف منه قبل ذهابه؛ [بأن كان] يشم من قريب وبعيد؛ فصار يشم من القريب ولا يشم من البعيد، أو كان يشم الروائح القوية والضعيفة؛ فصار يشم القوية دون الضعيفة؛ فحينئذ ينظر: فإن علم فدر الذاهب منه – قال الشافعي: ولا أحسبه يعلم – كان فيه من الدية بقسطه، وإلا ففيه الحكومة.
الثاني: لو كان في أصل الخلقة يشم شمًّا ضعيفاً؛ بأن [كان] يشم من القرب دون البعد، أو القوي من الروائح دون الضعيف، فجنى عليه؛ فصار لا يشم شيئاً – قال الماوردي: ففيه وجهان محتملان:
أحدهما: فيه الدية الكاملة؛ كالأعضاء الضعيفة.
والثاني: أن الموجود كان فيه بعض الشم؛ [فلم يلزم فيه إلا بعض الدية]، بخلاف ضعف الأعضاء التي يوجد جنس المنافع فيها.