فعلى هذا: إن عُلم ما كان ذاهباً من شمه، ففيه من الدية بقسطه، وإن لم يعلم فالحكومة يجتهد فيها الحاكم.
قال: وفي الشفتين الدية؛ لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه إلى اليمن:"وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ" خرجه النسائي، ولأنهما عضوان من أصل الخلقة فيهما منفعة وجمال يألم بقطعهما، ويخاف من سرايته؛ فأشبهتا اليدين.
قال: وفي أحداهما نصفها، وفي بعضها بقسطه؛ لما مر.
قال: وإن جنى عليها؛ فشلت، أي: صارتا يابستين لا تتقلصان، ولا تسترخيان – وجبت الدية؛ كما لو جنى على اليدين؛ فشلتا.
وهكذا الحكم فيما لو جنى عليهما؛ فتقلصتا، ولم تنبسطا بالمد، أو استرختا بحيث لم تتقلصا عن الأسنان إذا كشر أو ضحك؛ كما نص عليه الشافعي، رحمه الله.
قال الماوردي: وفيه عندي نظر؛ لبقاء منفعتهما بحفظ الأسنان، وما يدخل الفم من طعام وشراب؛ فاقتضى لأجل ذلك أن تجب حكومة؛ بخلاف تقلصهما المذهب لجميع منافعهما، وهذا ما أورده في "المهذب"؛ حيث قال: ون تقلصتا وجبت عليه الحكومة؛ لأن منفعتهما لم تبطل، وإنما حصل بهما نقص.
فرع: لو قطع شفة مشقوقة، ففي "التهذيب" و"التتمة": أن فيها دية ناقصة بقدر حكومة الشق، وفي "الحاوي": [أنه يجب جميع ديتها]؛ إن لم يذهب الشق شيئاً من منافعها، وبقسطه إن أذهب معلوم القدر من منافعها، وحكومة إن لم يعلم قدر الذاهب.
فرع آخر: هل تتبع حكومة الشارب دية الشفة؟ نقل عن القاضي ابن كج فيه وجهان.