وبين أن يأتي كتابه إلينا، [لكن] قال الأئمة: يستحب في هذه الحالة ألا نقبله استخفافاً بهم واستهانة، كما حكاه في "المهذب"، وكذا البندنيجي وابن الصباغ.
وقال الماوردي: الأولى ألا يتظاهر بقوله ويتلطف في ردّه. وظاهر كلام الغزالي يقتضي خلاف ذلك؛ لأنه قال: يجب على قاضينا إمضاؤه. وكذلك لفظ القاضي الحسين؛ فإنه قال: ولو كتب [إلى قاضينا] بحكومة لزمه التنفيذ والإمضاء. وكذا لفظ أبي الطيب: وجب أن نقبله وننفذه. فلعلهم أرادوا بذلك عدم النقض والحكم بخلافه.
أما إذا لم يحكم، لكن كتب بسماع البيّنة دون الحكم – فهل يحكم قاضينا به؟ فيه قولان:
أحدهما: لا؛ لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم، ولأنه يعتقد خلافه؛ فكان كما إذا كتب الحنفي على قاضٍ شافعي بالشفعة للجار، وانقطاع الرجعة بلفظ البينونة- لا نحكم به؛ لأنه خلاف ما نعتقده.
وأصحهما –وهو ما أورده البندنيجي -: نعم؛ لأن الكتاب الذي يرده يتعلق برعايانا، وإذا نفذنا حكم قاضيهم لمصلحة رعاياهم، فَلأَنْ نراعي مصلحة رعايانا كان أولى.
وقد حكى الإمام عن رواية صاحب "التقريب" والشيخ أبي محمد طرد القولين فيما إذا أبرموه واستعانوا به في الاستيفاء، وقال: كنت أود لو فَصَلَ فاصلون بين الأحكام التي تتعلق بأصحاب النجدة والامتناع، وبين ما يتعلق بالرعايا.
تنبيه: حكم الشيخ بنفوذ حكم حاكمهم يعرفك قبول شهادة الواحد منهم؛ لأنه لو خرج بالبغي عن العدالة لم يصح حكمه، وهذا بناء على أصلنا في انهم ليسوا بفسقة كما مر، ولفظ الشافعي –رضي الله عنه -: "ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى أن يشهد لموافقته [بتصديقه"، فأثبت العدالة مع البغي.
وقوله: "ما لم يكن يرى أن يشهد لموافقته]، أراد به الخطابية.
وقول الشيخ: ما ينفذ من حكم الجماعة، احترز به عما لو خالف حكمه نصًّا أو إجماعاً أو قياساً جليًّا؛ فإنا لا ننفذه حتى لو وقع واحد من أهل العدل في