جُوّز للضرورة، ولا ضرورة في الأصعب مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل، فعلى هذا: إذا غلب على ظنه أن الصائل يندفع بالصياح لم يدفعه باليد، فإن لم يندفع بالصياح – مثل أن كان في موضع لا يلحقه غوث – دفعه باليد إن غلب على ظنه اندفاعه بها، فإن لم يندفع بها دفعه بالعصا إن غلب على ظنه اندفاعه بها، فإن لم يندفع دفعه بالسلاح، فإن لم يندفع إلا بقطع عضو قطعه.
قال: فإن لم يندفع – أي: في ظنه – إلا بالقتل فقتله لم يضمنه، أي: بقود ولا دية ولا كفارة؛ لما روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، والشهيد مظلوم، وللمظلوم دفع الظلم عن نفسه بالقتال، وما أبيح من القتال لم يجب به ضمان؛ لقوله تعالى: {وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: ٤١، ٤٢]، وقد روى الشافعي – رضي الله عنه – بسنده عن صفوان ابن يعلي بن أمية عن أبيه أنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة العسرة، وكان لي أجير، فقاتل إنساناً، فعض أحدهما [يد] صاحبه، [فانتزع يده من فيه]؛ فانتزع ثنيَّته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم [فأهدر ثنيته] وقال: "أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَعَضُّهَا كَأَنَّهَا [فِي] فِي فَحْلِ".
ولما ذكرناه من قصة عمر – رضي الله عنه – في التي خرجت بالحطب.
فإن قيل: أليس قد روي أنه – عليه السلام – قال: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانِن وَزنَِى بَعْدَ إِحْصَانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيرِ نَفْسٍ"، وهذا غير هذه الثلاثة؛ فلا يجوز القتل به.
قيل: إن المباح – هاهنا – ليس [هو] القتل، وإنما هو الدفع، فإن أدى إلى