ألا يغلب على ظنه هلاك نفسه، فإن غلب فلا يجب؛ لأنه لا يلزمه أن يجعل روحه فداء لروح غيره. وهذا لشرط مختار القاضي الحسين في "التعليق"، وحكاه الرافعي عن الشيخ إبراهيم المروزي؛ إذ قال الإمام: وعلماء الأصول اضطربوا في هذا، فذهب المحققون منهم إلى أن هذا محتوم على الولاة، فأما آحاد الناس فلا يلزمهم هذا، ثم منهم من لم يجوّز شهر السلاح للدفع عن الغير، ومنهم من جوَّزه ولم يوجبه، وأن هذا لا يختص بأن يصول الإنسان على غيره قاصداً قتله، فمن كان [مُقدِماً] على مُحرَّم فيمنع منه، فإن أبى دفع عنه.
ثم قال: فخرج مما ذكرناه أن الإنسان يدفع عن نفسه بكل وجه، والكلام في وجوب الدفع، وهذه مرتبة، والمرتبة الأخرى في الدفع عن الغير، وهو مقصود بالقتل أو بفاحشة الزنى، وهاهنا افتراق الفقهاء وأرباب الأصول كما قدمناه، وفي كلام الأصوليين رمز إلى موافقة الفقهاء. والمرتبة الثالثة في الدفع عن المنكرات والمحرمات سوى ما ذكرناه، يعني: كشرب الخمر ورض رأس حيوان محترم كما صرّح به في كلامه من قبل، فالأصوليون مطبقون على: أنه لا يجوز لآحاد الناس شهر السالح، وذهب طوائف من الفقهاء [إلى]: أنه لا مبالاة بشهر السلاح إذا أفضت الحاجة إليه، وعلى [هذا] ينطبق ما جزم به الرافعي فيما إذا رأى شخصاً يتلف مال نفسه، بأن يحرق لبسه ويغرق متاعه، أنه يجوز له الدفع، وفيما إذا كان حيواناً محترماً ورآه يشدخ لبسه ويغرق متاعه، أنه يجوز له الدفع، وفيما إذا كان حيواناً محترماً ورآه يشدخ رأسه، في وجوب الدفع لحرمة الحيوان وجهان، المذكور منهما في "التهذيب": الوجوب؛ ولذا قال فيما إذا علم أن إنساناً يشرب الخمر في داره أو أن في الدار طنبوراً يضربه: فله أن يهجم عليه ويريق الخمر ويفصل الطنبور، ويمنعهم من الشرب والضرب، وإن [لم] ينتهوا قَاتَلهم عليه، فإن أتى القتل عليهم فهو مثاب عليه، وكذا حكاه الفوراني والعمراني عن الطبري، وحكى الغزالي من أن من الفقهاء من منع [ذلك] إلا للسلطان؛ خوفاً من الفتنة، وهو مأخوذ من قول الإمام: وذهب طوائف من الفقهاء إلى كذا.
قال: وإذا أمكن الدفع بأسهل الوجوه لم يعدل إلى أصعبها؛ لأن هذا فعل