ووجه المنع: أن وفداً من براعة وغطفان الذين كانوا قد ارتدوا، جاءوا إلى أبي [بكر] – رضي الله عنه- يسألونه [عن] الصلح بعد توبتهم فقال: "تَدُون قتلانا، وقتلاكم [في النار"]، فقال عمر – رضي الله عنه-: "إِن قَتْلانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللهِ – تَعَالَى – لَيْسَ لَهُمْ دِيَاتٌ"، فتفرق الناس على قول عمر، وهذا ما نص عليه في "سير" الأوزاعي كما قاله الماوردي، وفي قتال أهل البغي كما قاله البندنيجي وصححه بعضهم. وهذه طريقة ابن أبي هريرة والشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وابن الصباغ والبغداديين، وهي الصحيحة عند المصنف، لكن الأصح باتفاق الأصحاب في أهل البغي: عدم الضمان، وهاهنا الأصح عند الجمهور [كما ذكرناه]، ومنهم أيضاً القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: وجوبه، وقال القاضي أبو حامد المرْورُّوذي وأبو القاسم الصيمري وأكثر البصريين: إنه يجب عليه الضمان قولاً واحداً، وهو اختيار المزني كما قاله الماوردي.
قال الرافعي: وقد ترتب الخلاف في المرتدين على الخلاف في الباغين، وفي كيفية الترتيب اختلاف رأي حكاه القاضي الحسين في "تعليقه" – أيضاً – والفوراني في "إبانته":
فقائل يقول: إذا أوجبنا الضمان على الباغي فالمرتد أولى بالوجوب، وإلا ففي المرتدين قولان، والفرق أنهم أولى بالتغليظ، ويحكي هذا عن اختيار القفال، وإليه مال [اختيار] القاضي الحسين أيضاً.
وقائل يقول: إذا نفينا الضمان عن الباغي فالمرتد أولى، وإن أوجبناه على الباغي ففي المرتد قولان.