وقال الماوردي: إن التصرف إن كان فيه إهلاك للمالية، كالعطايا والهبات والوصايا والصدقات والوقف والعتق – فهو باطل، سواء قيل: إنه حجر سفه أو مرض، ولا يقال: إنا إذا قلنا: إنه حجر مرض يجاز كما تجاز وصايا المريض؛ لأن للمريض في ماله الثلث، فأمضيت وصاياه من ثلثهن وليس للمرتد ثلث تجعل وصاياه منه. وإن كان التصرف بيعاً أو إجارة، فإن قلنا: إن حجره حجر سفه، لم يصح؛ لأن عقود السفيه باطلة، وإن قلنا: إنه حجر مرض، نفذت؛ لأن عقود المريض جائزة.
قال: وعلى هذين الوجهين يكون حكم إقراره بالديون والحقوق.
قلت: وهما جاريان أيضاً إذا قلنا: إنه حجر فلس؛ بناء على القولين في صحة إقرار المفلس، والله أعلم.
قال: وإذا مات – أي على الردة – أو قتل، قضيت الديون من ماله، يعني الديون اللازمة له قبل الردة، وإن حكمنا بزوال ملكه بنفس الردة؛ لأن الردة وإن أزالت الملك فحقها أن تكون كالموت، [والموت] مزيل للملك، ثم الديون الثابتة في حال الحياة تتعلق بما يخلفه الميت، وهي مقدمة على حقوق الورثة، فبأن تقدم هاهنا على حقوق أهل الفيء أولى؛ لأن جهة الزوال بالردة عرضة للارتفاع بالإسلام، والموت مزيل للملك على الثبات، ويثبت حق الورثة على اللزوم، وهذا ما ادعى القاضي الحسين والإمام نفي خلافه.
قال: والباقي فيء؛ لأنه لما امتنع أن يرثه عنه أقاربه المسلمون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" [لاَ يَتَوارَثُ] أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى"، وأقاربه الكفار؛ لما فيه من علقة الإسلام، ولا مرتدٌّ مثلُه؛ لامتناع إرث المرتد – فتعين كون ماله فيئاً، كحال من لا وارث له من أهل الذمة.
وقد روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عباس – رضي الله عنهما – ولا مخالف لهما من الصحابة.