وقال الإمام: إن عني القائل بأنها فتحت عنوة: أنه مُنع فقاتل، فليس الأمر كذلك، وإن أراد أنه: دخلها معتدياً على هيئة الاستمكان من القهر، فهذا حق لا ينكر، لكنه أمر بقتل رجال مخصوصين [كان قد عزم على قتلهم].
وفي هذه السنة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح غزوة حنين إلى هوازن في السادس من شوال، وفيها اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجِعرانة في ليلة الأربعاء الثامن عشر من ذي القعدة، وفيها – كما قال الماوردي – استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر- رضي الله عنه –على الحج، وأمره أن يؤم الناس كلهم.
وفي السنة التاسعة من الهجرة، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزة تبوك في الروم في رجب، وكان – عليه السلام – إذا هم بغزوة ورّى بغيرها، إلا في تبوك؛ فإنه أباح بها؛ حتى يأخذ الناس أهبتهم؛ لبعد المسافة، واتفقت تلك الخرجة في شدة الحر، وفيها تخلف من نزلت فيهم الآية المشهورة، وفيها استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم [أبا بكر] على الحج بالناس من المدينة، وفيها بعث العمال لجبي الصدقات من العرب.
وفي السنة العاشرة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وفيها نزل قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية، وعاش رسول الله صلى الله ليه وسلم بعد أن قضى حجه اثنين وثمانين يوماً، وتوفي صلى الله عليه وسلم في سنة إحدى عشرة من الهجرة في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان ابتداء مرضه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم الثامن والعشرين من صفر، حشرنا الله في أمته!
قال [الشيخ – رحمه الله -:] من لا يقدر على إظهار الدين في دار الحرب، أي: لكونه لا قوة له، ولا عشيرة تمنعه، وقدر على الهجرة، أي: إلى بلاد الإسلام- وجب عليه أن يهاجر؛ لقوله تعالى:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} الآية [النساء: ٩٧]، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" كما خرجه أبو داود والنسائي عن معاوية.