وروى أبو داود عن جرير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَنَّا بَرِيءٌ مِنْ كُلٍّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ؟ قَالَ: لاَ تَراءَى نَارُهُمَا"، أي: لا يتفق رأيهما. فعبَّر عن الرأي بالنار؛ لأن الإنسان يستضيء بالرأي كما يستضيء بالنار، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْلِ الشِّرْكِ"، أي: لا تقتدوا بآرائهم.
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم [أنه] قال يوم فتح مكة: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ"، فهو محمول على الهجرة من مكة إلى المدينة؛ لأنها صارت بعد الفتح دار إسلام أبداً؛ فلا معنى للهجرة من دار إلى دار، مع أنه يحتمل أنه لا هجرة كاملة الفضل كالهجرة قبل الفتح؛ فإنهما لا يستويان، كما لا يستوي الإنفاق قبل الفتح وبعده.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المسلم أسيراً في أيدي الكفار في قيد أو حبس، أو قد أطلقوه بشرط المقام عندهم، أو بعد تحليفه على عدم مفارقتهم، أو لا يكون شيء من ذلك، ولا يحنث عند الحلف إن كان مكرهاً على اليمين، وفي معناه ما إذا حلَّفوه وهو في الحبس أو القيد، كما صرح به القاضي الحسين والماوردي، وحكى فيما إذا ابتدأهم باليمين على عدم الهرب وهو في القيد أو الحبس - وجهين في الحنث؛ وهما - أيضاً - في "التهذيب"، وجزم بأنه إذا قيل له: لا نطلقك حتى تحلف ألا تخرج إلى دار الإسلام، فحلف. وأطلقوه فخرج - بعدم الحنث، ولم يُقيِّدُه بحالة حبس وغيرها، لكنه قاسه على ما إذا أخذ