للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللصوص رجلاً، وقالوا: لا نتركك حتى تحلف ألا تخبر بمكاننا أحداًن فحلف وتركوه، فأخبر بهم؛ فإنه لا كفارة عليه، وإن كان قد حلف بالطلاق فلا يقع.

قال: ومن قدر على إظهار الدين، أي: لقوته وكثرة عشرته –استحب له أن يهاجر.

أما عدم وجوبها؛ فلقدرته على إظهار دينه والقيام بواجبه؛ ولهذا بَعَث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عثمان [بن عفان] – رضي الله عنه – إلى مكة؛ لأن عشيرته كانت أقوى بـ"مكة"، فأُكرِم، ولأنه – تعالى – لما أوجبها على المستضعفين دل على أنها لا تجب على غيرهم.

وفي "النهاية" وجه: أنه يحرم عليه الإقامة؛ لإطلاق الخبر؛ لأن المسلم بين أَظْهُر الكفار مقهورٌ مهان، فإن انكفوا عنه لعارض لم يؤمن عودُهم إليه، والمشهور الأول.

وأما كونها مستحبة؛ فلقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: ٥١]، ولأنه لا يأمن أن يميل إليهم، وفي بقائه [عندهم] تكثير لسواد المشركين وزيادة في عددهم.

ومن لم يقدر على إظهار الدين ولا على الهجرة، فهذا يسقط عنه الهجرة؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} الآية [النساء: ٩٨].

والكلام في الحالة الثانية مخصوص عند الماوردي بما إذا كان يرجو نصرة المسلمين بنصرته، ولم يتمكن من الدعاء إلى الإسلام في دار الحرب ولا القتال عليه ولا الانعزال عنهم.

وقال – فيما إذا قدر على الانعزال والدعاء والقتال -: إنه يجب عليه أن يقيم، وكذا إذا قدر على الانعزال ولم يقدر على الدعاء والقتال: يجب عليه المقام؛ لأن داره قد صارت بانعزاله دار إسلام، فإذا هاجر عنها صارت دار حرب، ولو لم يقدر على الانعزال أيضاً، فإن كان يرجو ظهور الإسلام بمقامه فالأولى به أن يقيم ولا يهاجر، وإن استوت أحواله في المقام والهجرة فهو بالخيار بينهما، وهذا كله في زماننا.

<<  <  ج: ص:  >  >>