للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الهجرة في زمنه صلى الله عليه وسلم فقد كانت في زمن مقامه بـ"مكة" لمن خشي على نفسه من المقام معه [بـ"مكة" جائزةً]، ولمن أمن على نفسه ودينه معصيةً، [إلا لحاجة]؛ لما في مقامه من ظهور الإيمان وكثرة العدد، وفي مدة مقامه بالمدينة قبل الفتح واجبةً على من خاف على نفسه [أو دينه، وهو قادر على الخروج بأهله وماله؛ للآية، ومستحبة لمن أمن على نفسه] كالعباس بن عبد المطلب.

وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: "أن الهجرة كانت على غير أهل مكة من الرغائب، ولم تكن فرضاً؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم أتاه أعرابي يسأله عن الهجرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ إِنَّ شَانَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ "قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً" كما خرجه البخاري ومسلم وغيرهما، ولأنه لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة.

والهجرة: الانتقال من موضع إلى موضع، وسميت بذلك؛ لأنه يهجر فيها ما ألفه من وطن وأهل، وقيل: لأنه يهجر فيها العادة من عمل وكسب. وهي على القولين مأخوذة من "الهجر"؛ وهو الترك.

قال: والجهاد فرض على الكفاية؛ لقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: ٧٨]، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٤٤]، مع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢]، أي: يجاهدوا جميعاً في قولٍ، أو ما كان لهم إذا جاهد قوم أن يخرجوا

<<  <  ج: ص:  >  >>